رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حروب الجيل الرابع تهدد العالم


فى المرجع الضخم المُعنون بـ«حروب الأشباح: السجل الخفى للسى آى إيه، لأفغانستان، ولبن لادن»، الحائز على جائزة «بوليتزر» المرموقة مرتين، والعامر بالوقائع والتحليلات، والذى يزيد عدد صفحاته على ٩٠٠ صفحة من القطع الكبير، نقرأ تفاصيل هائلة حول لحظة تاريخية مُهمة من لحظات العالم ولحظاتنا، هى لحظة اجتياز القوات السوفيتية للحدود الأفغانية، فى أواخر عام ١٩٧٨، لمساندة الحكم اليسارى الذى كان يواجه محاولات دائبة لإسقاطه، من خصومه فى الداخل والخارج.
استعادت الولايات المتحدة الأمريكية، فى تلك الفترة، تعليمات وزير خارجيتها الأسبق، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، الدبلوماسى المُحَنَّك الشهير «جون فوستر دالاس»، الذى نصح باستخدام سلاح الدين الإسلامى لمواجهة العدو السوفيتى، بحيث يبدو الصراع، صراع الإيمان لصد الإلحاد والكفر، بدلًا من أن يكون، كما هو الواقع، صراعًا على الاستراتيجيات والمصالح، فهذا الشكل الجديد يضمن تعبئة الشعوب التى تدين بالإسلام، تلقائيًا، ضد العدو الرئيسى، آنذاك: الاتحاد السوفيتى، دون جهد يُذكر أو تكلفة تثقل الكاهل!
ومع تدفُّق ملايين الدولارات، وأطنان الأسلحة والذخائر إلى المتمردين الأفغان، من أمراء الحرب، وزعماء العشائر، ومُهربى السلاح، وكبار زارعى ومُهربى الأفيون، الذى تشتهر أفغانستان بإنتاجه، تحولوا، بقدرة قادر إلى قادة لـ«الجهاد الإسلامى»، دورهم خلق مستنقع «فيتنام السوفيتية»، الذى سينزلق إليه الاتحاد السوفيتى «الكافر والمُلحد»، تدريجيًا، ويكون أحد أسباب تفككه وسقوطه! ومثَّلت تلك اللحظة فرصة مناسبة لجماعة الإخوان، لا تتكرر ولا تُعَوَّض، كان يجب انتهازها بكل مهارة، فقد استقبل الرئيس «السادات» وقادة المؤسسة الدينية المصرية آنذاك، بالاحتفاء والتبجيل «أمراء الحرب الأفغان»، أو «زعماء الجهاد الإسلامى»، كما قدَّمتهم وسائل الإعلام الرسميّة، وعُقدت لهم المؤتمرات فى الجامع الأزهر وغيره لدعمهم، وجُمعت التبرعات المادية والعينية لمساندتهم، وبرز فى هذا السياق دور عمر التلمسانى، المُرشد الأسبق لجماعة الإخوان، والشيخ محمد الغزالى، والشيخ أحمد المحلاوى، وآخرين!
وفى تلك المرحلة بلغ التنسيق بين أجهزة النظام وجماعة الإخوان أوجه، على الرغم من تَحَفُّظ بعض المسئولين الأمنيين من مخاطر هذا الأمر، ولعبت نقابة الأطباء المصريين، من خلال الدور القيادى للكادرين الإخوانيين المُهمين: د. «عصام العريان»، ود. «عبدالمنعم أبوالفتوح»، الذى كان يرأس أيضًا «اتحاد الأطباء العرب»، و«لجنة الإغاثة الإسلامية»، وفى الخلفية القائد الإخوانى الدكتور «كمال السنانيرى»، دورًا كبيرًا فى نقل أعداد غفيرة من الشباب المصرى إلى أفغانستان، «للمشاركة فى الذود عن الإسلام وحياض المسلمين!»، وقد عادوا فى فترة صعود المد الإخوانى، قبل سقوطهم فى ٣٠ يونيو، ليدخلوا البلاد دون تحقيق أو مُحاسبة، بعد أن تلقوا إعدادًا فائق الكفاءة، على القتل والإرهاب، والتدمير والتخريب، ولينضموا إلى جحافل الجماعات التكفيرية فى سيناء وغيرها!
أتاحت هذه الظروف فرصة ذهبية لجماعة الإخوان للاستفادة القصوى من هذه المُناسبة المواتية لتدريب أكبر عدد من كوادرها على العمليات العسكرية والإرهابية، كما أتاحت لها الفرصة لجمع أموال لا حصر لها، من الداخل والخارج، تحت شعار «انصروا إخوانكم المُسلمين الأفغان»، وكذلك لخلق علاقات وطيدة مع أطراف داخلية وخارجية، أبرزها المملكة السعودية، التى كان دعمها المالى بلا حدود، وهو أمر لم تنكره القيادة الجديدة للمملكة، بل اعترفت بأنها فعلت ذلك بطلب من جهات خارجية، فى سياق الحرب التى كانت مُحتدمة ضد الشيوعية، فى تلك الفترة! لكن هذا الحدث لم يكن أول لقاء بين «الإخوان»، و«المملكة»، و«الأمريكيين». ويُشير الأستاذ «عبدالعظيم حمّاد»، فى كتابه المُهم: «الوحى الأمريكى: قصة الارتباط (البنَّاء) بين أمريكا والإخوان»، (مكتبة الأسرة ٢٠١٤)، إلى واحده من أقدم الاتصالات الأمريكية- الإخوانية، يرجع إلى عام ١٩٤٨، على لسان الدبلوماسى الأمريكى «هيرمان أيلتس»، «الذى أصبح أول سفير للولايات المتحدة فى مصر بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية عام ١٩٧٤»، فهو كان شاهدًا مُباشرًا على تلقِّى البنا معونات مالية من الشيخ «محمد سرور الصبّان»، وكيل وزارة المالية السعودية، ومن جد «هيرمان أيلتس»، كما أكَّدَ أنه: «كان يعلم بوجود قناة اتصال مُنتظمة بين زملائه من الدبلوماسيين الأمريكيين فى القاهرة، وبين الشيخ البنا»، منذ ذلك التاريخ المُتقدم!
كلينتون والإخوان.. كشف المستور «٢»
يواجه العالم بكل دوله فى هذه الأيام أخطارًا لا تقتصر على أزمة فيروس كورونا وحدها، مع أن هذا الوباء ينقض على ما يقترب من الخمسين مليون نسمة، بل إن دعاة الحروب وهواة سفك الدماء لا يتوقفون عن إثارة القلاقل والأخطار والتباهى بأدوات الحروب والقتال، وليست هذه الأخطار وليدة اليوم، فهناك وثائق ترجع تاريخيًا إلى أكثر من خمسة أعوام مضت فى الولايات المتحدة، تكشف تلك الوثائق عن العمل على تفكيك القوى الشرق أوسطية بداية من مصر بصفتها كبرى دول المنطقة، وإذا ما أصيبت فالشرق الأوسط كله سينهار ولا شك.
الرئيس السيسى، بفطنة ووعى ودراسة ومتابعة، كشف عن ذلك الحراك، فبادر بتوعية شعبه بحجم المؤامرة التى تحاك ضد الوطن ودفعه لحروب شرسة ضد أطراف أخرى، وأدرك بوعيه العسكرى والسياسى أن مصر الوطن الذى يعيش فى شعبه ليس بالسهولة أن يُدفع إلى حروب لا ناقة له فيها ولا جمل، وفى نهايتها استهداف للدولة المصرية ذاتها.
ولهذا فقد سعى رئيس مصر لأن ينبه شعبه لأن قيادته واعية، فلن ننقاد إلى معارك لا ناقة لنا فيها أو جمل، وأن محاولة استقطاب بعض شعب مصر لإثارة حرب لا ناقة لنا ولا علينا فيها لن ينطلى على مصر قادة وشعبًا، كما أن معركة مصر الآنية هى الحركة نحو اقتصاد أفضل وحياة شعب تعب كثيرًا من حروب سابقة أصابت الأجساد والبطون، وأن دور قيادة مصر هو صحوة شعبية واقتصادية وإنتاجية حتى ينعم شعب مصر بحياة أفضل تأخر حراكها بسبب حروب وأعطال لا مجال لذكرها ولا وقت للبكاء على اللبن المسكوب، فالوقت كالسيف نقطعه قبل أن يقطعنا فى أشكال من الحياة اليومية ومجالات العمل والإنتاج الذى لا يقبل التأخير أو التأجيل. كما حذر الرئيس الذين يحاولون إدخال البلاد فيما يعرف بالجيل الرابع من الحروب العالمية، وتتمثل فى بعض الأعمال الإرهابية التى يقف أمامها الجيش والشرطة والشعب، كما دعا لعدم الإنصات إلى ما يعرف بحروب الجيل الرابع، التى غالبًا ما يستخدم فيها الشعوب لزعزعتها وإثارة القلاقل والمخاوف بشائعات وأكاذيب، والهدف الأول والهام لدى أعداء الأمن والاستقرار هو تعطيل الإنتاج والتنمية والانتقال إلى صفوف الدول الكبرى، وهذه هى أهم معاركنا التى تفوق الحروب السابقة كلها، حتى أطلق عليها حروب الجيل الرابع. وجميعنا يعى ما سبق من حروب رقمت من جيل أول حتى الجيل الرابع الذى نعيشه الآن، فقد كانت حروب الجيل الأول أدواتها البندقية البدائية والمدافع وما إلى ذلك من الأسلحة التقليدية التى لم تعرف ما هو أكبر من تأثير طلقة البندقية أو دانة المدفع، فيما عرف بحرب نابليون الذى أطلق عليه لقب صاحب الجيل الأول فى الحروب.
أما الجيل الثانى من الحروب فقد بدأ بمعارك الحرب العالمية الأولى وما عرف بالحرب الاستباقية التى استند إليها المحاربون، أى أن الغلبة لمن يسبق، وفيه استخدمت المدافع الرشاشة ذات الأبعاد الكبيرة أو المدى البعيد.
ثم عانى العالم من حرب عالمية ثانية كان التفوق فيها لمن يسبق بالضربة الأولى، كما استخدمت فيها الألوية المدرعة والطائرات لنقل القوات لمسافات بعيدة تقرب المقاتلين لمرمى الأعداء ولإسقاط القنابل لتحقيق دمار أكثر اتساعًا مما عرف سابقًا، وهذا ما عرف بحرب الجيل الثالث.
أما حروب الجيل الرابع وهى حروب قد تكون متكافئة وغير متجانسة، حتى قيل عنها إنها حروب دول مع أشباه دول، وفيها استخدمت خلايا إرهابية، وعليه قيل إنها حروب الفوضى الخلاقة، ومحاولة قتل إرادة الشعوب بمبدأ المساومة للحصول على تنازلات سياسية، وخلق الشعور العام للتأثير على الرأى العالمى وتهديد الأمن القومى، واستخدمت الوسائل الحديثة لنقل صورة القلق والخوف والاستسلام، وإثارة الحروب الطائفية والنعرات العرقية، وهنا يسهل ما يعرف بالتجزئة وقسمة الشعوب تحت مسميات عرقية وطائفية ودينية.
ومن هذه الخطوات الانهزامية تُستهدف دول منطقة الشرق الأوسط كبيرها وصغيرها بزعزعة نسيجها الوطنى المتماسك بكل فئات شعوبها وتعددية ثقافاته وعقائده ويرون أقرب الميادين التى يمكن إثارتها هو الشرق الأوسط المتحد فى ثقافته ولغته رغم تعدد دياناته، لكنه شعب واحد فى كل منطقة من هذا الركن العالمى. أما العامل المطمئن والمشجع فهو تماسك الشعوب والقوى الأساسية والجميع يعرف حجم المؤامرات فيزداد تماسك الشعب وتمسكه بقيادته ووحدة مصيره وأدوات تواصله، بل وتعايشه، وكل هذه المعطيات تعضد من قوة التماسك الشعبى فى سائر المجالات الحياتية ومع هذا التماسك يفشل العدو بأدوات مصيدته. بالقطع يبرز دور مصر باعتبارها أكبر شعبيًا وتاريخيًا من أى قسم آخر، وسوف تستمر فى تماسكها ووحدة شعبها مهما تغيرت الأحوال حتى لو زادت الأهوال فستبقى روح الوحدة هى السائدة وقوة جيشها رادعة وحكمة قيادته فاعلة، وختامًا فالغد لناظره ومنتظره قريب.