رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القمة الثلاثية.. والمعضلة القبرصية


قمة مصرية يونانية قبرصية ثامنة، تنعقد اليوم، الأربعاء، فى العاصمة القبرصية نيقوسيا، بالتزامن مع قيام تركيا بإحكام قبضتها على ثلث جزيرة قبرص، الذى تحتله منذ ٤٥ سنة، وفشلت كل محاولات جمهورية قبرص لتحريره واستعادته، بينما اكتفى الاتحاد الأوروبى بالفرجة وإطلاق التصريحات، ولم تسفر جهود ما يوصف بـ«المجتمع الدولى»، الشكلية، عن أى شىء.
الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، التى جرت الأحد الماضى، فى الثلث الشمالى من جزيرة قبرص، انتهت بفوز إرسين تتار، الموالى لتركيا والمدعوم منها، بـ٥١.٧٪، واحتفل أنصاره برفع الأعلام التركية، كما قام المذكور بتوجيه الشكر للرئيس التركى رجب طيب أردوغان، وندد، فى الوقت نفسه بـ«من استخدموا تركيا كحجة انتخابية». كما قام منافسه الرئيس المنتهية ولايته مصطفى أكينجى بتهنئة «من أسهموا فى هذه النتيجة»، فى إشارة واضحة إلى تركيا التى تدخلت بشكل فج فى الانتخابات. وأثبت الرئيس التركى صحة هذا الاتهام، بأن هنأ تتار فى حسابه على تويتر متعهدًا بمواصلة «تأمين كل أشكال الدعم لحماية حقوق الشعب القبرصى التركى».
تتار، المولود فى ٧ سبتمبر ١٩٦٠، درس فى بريطانيا وعمل محاسبًا بها منذ سنة ١٩٨٢، ثم انتقل إلى تركيا وعمل مديرًا ماليًا لقناة «شو تى فى» التليفزيونية فى إسطنبول منذ سنة ١٩٩٢ إلى ٢٠٠١، وخلال تلك الفترة تولى رئاسة «جمعية إسطنبول للقبارصة»، ثم أنشأ، بتمويل ودعم تركى، أول محطة تليفزيونية خاصة، فى شمال نيقوسيا، وبمجرد عودته إلى شمال قبرص صعد بسرعة الصاروخ، وصولًا إلى توليه رئاسة الوزراء فى مايو ٢٠١٩. وطوال تلك السنوات، كان أداة طيعة فى يد أو فى قدم، الرئيس التركى. وكان طبيعيًا أن يعلن، مثلًا، عن دعمه العدوان التركى على سوريا، وأن يؤيد أعمال التنقيب التركية فى شرق المتوسط.
من جانب واحد، تم إعلان «جمهورية شمال قبرص»، غير المعترف بها دوليًا، فى ١٥ نوفمبر ١٩٨٣، لكنها نشأت فعليًا فى ١٩٧٥ إثر قيام الجيش التركى بغزو الجزيرة واحتلاله الجزء الشمالى منها، مستغلًا توتر العلاقات بين المجتمعين اليونانى والتركى، الذى انتهى بانقلاب قومى، استهدف إعادة ربط قبرص باليونان، ومن وقتها، انقسمت الجزيرة بـ«خط أخضر» طوله حوالى ١٨٠ كيلومترًا، يمر بمدينة نيقوسيا، التى صارت آخر عاصمة منقسمة فى العالم.
تحت عنوان «انتخابات جادة فى دولة وهمية» توقفنا، الإثنين الماضى، عند نتيجة الجولة الأولى من تلك الانتخابات، التى تنافس فيها أحد عشر مرشحًا، وأوضحنا أننا أمام دولة وهمية، أو مزعومة، لا يزيد عدد سكانها على ٣٠٠ ألف نسمة، وأن تركيا، بزعم الدفاع عن حقوق هؤلاء، تحاول نهب موارد الطاقة فى شرق المتوسط، وتقوم بابتزاز اليونان وجمهورية قبرص، الحقيقية، عضو الاتحاد الأوروبى، التى تسيطر على ثلثى الجزيرة، وتحاول استعادة ثلثها الباقى، الذى تحتله تركيا وتديره بحكم الأمر الواقع.
الاتحاد الأوروبى، كما أشرنا، يكتفى بالفرجة وإطلاق التصريحات. أما الجهود الشكلية، التى قامت بها الأمم المتحدة، لإعادة توحيد الجزيرة، فباءت كلها بالفشل. وبعد انهيار المفاوضات الأخيرة، من المقرر أن تدعو المنظمة الدولية، قريبًا، إلى جولة جديدة من المفاوضات. واستباقًا لهذه الدعوة قال تتار، فى خطاب فوزه، إنه قد يعود إلى طاولة المفاوضات «متى أصبح ذلك ضروريًا» مؤكدًا أنه لن يقدم «تنازلات» حول النقاط المتعلقة بـ«السيادة». وكنا قد رجّحنا، ألا تقود تلك المفاوضات إلى أى شىء، إلا لو تمت الإطاحة بالرئيس التركى، وقام القبارصة الأتراك واليونانيون، معًا، بالتخلص من ذئابه الرمادية: منظمة «الذئاب الرمادية»، إحدى أذرع تركيا لنشر الإرهاب والفوضى، فى شرق العالم وغربه، وتتخذ من شمال قبرص مسرحًا لعملياتها.
تعزيزًا للتعاون الإقليمى، وتأسيسًا على نتائج آلية التعاون الثلاثى، يشارك الرئيس عبدالفتاح السيسى نظيره القبرصى نيكوس أناستسياديس، وكيرياكوس ميتسوتاكيس، رئيس الوزراء اليونانى، فى القمة الثلاثية الثامنة، التى ستنعقد على هامشها، أيضًا، اجتماعات لكبار مسئولى الدول الثلاث، تتناول جميع الموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
القاهرة، التى استضافت القمة الرابعة فى أكتوبر ٢٠١٦، والسابعة، فى أكتوبر الماضى، كانت قد شهدت فى نوفمبر ٢٠١٤، أول لقاء بين الزعماء الثلاثة، تم خلاله وضع آلية للتعاون الثلاثى، وبدأ بعدها تنظيم عمليات استثمار مصادر الطاقة فى شرق المتوسط. ومن وقتها، تتابعت اللقاءات فى عواصم الدول الثلاث، سعيًا إلى التعاون من أجل السلام، الأمن، الاستقرار، والتنمية.
القمم السبع السابقة أدت إلى زيادة التعاون فى مجالات الدفاع، الأمن، ومكافحة الإرهاب. وحققت نتائج ملموسة فى الطاقة، الاقتصاد، التجارة، البيئة، السياحة، حماية التراث الثقافى، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. ونأمل أو ننتظر أن يتحقق المزيد فى القمة الثامنة، وأن تضع الدول الثلاث على رأس قائمة أولوياتها توحيد جزيرة قبرص وتحرير ثلثها الشمالى من الاحتلال التركى.