رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فرنسا وإيواء الثعابين



أعلنت الشرطة الفرنسية يوم الجمعة «١٦ أكتوبر ٢٠٢٠» عن أنها قتلت بالرصاص طالبًا يبلغ من العمر ١٨ عامًا من أصول شيشانية، كان قد ذبح قبل ذلك بدقائق معلمًا بإحدى المدارس الإعدادية فى شارع بإحدى ضواحى العاصمة باريس.
وقال مصدر بالشرطة إن هذا المدرس كان، وهو يشرح درسًا فى المنهج المقرر عن حرية التعبير، قد عرض على تلاميذه رسومًا كاريكاتيرية سبق أن نشرتها صحيفة «شارلى إبدو» اعتبرها القاتل مسيئة للإسلام، مضيفًا أن شهودًا سمعوا المهاجم يهتف: «الله أكبر» أثناء قيامه بذبح المدرس.
وفى حقيقة الأمر أن منظومة القيم فى أوروبا تختلف عن مثيلاتها فى غيرها من الدول العربية، فعلى سبيل المثال لا يوجد فى أوروبا ما نسميه نحن فى بلادنا «ازدراء الأديان»، ومن ثم فهناك عدد من الصحف تنشر رسومًا كاريكاتيرية لرموز دينية وتعتبر هذا نوعًا من حرية الرأى والتعبير.
وقد سبق أن نشرت صحيفة «شارلى إبدو» رسومًا كاريكاتيرية للسيدة العذراء مريم وللسيد المسيح، وهذه الرسوم تعتبر رسومًا مسيئة وفق منظومة القيم فى بلداننا العربية، ولكنها وفقًا لمنظومتها الفكرية تدخل فى إطار حرية التفكير والتعبير.
وما يفعله العقلاء هناك هو الرد على الرأى بالرأى ومقارعة الحجة بالحجة ومواجهة الفكر بالفكر، أما غير العقلاء وضعفاء الحجة ومعدومو المنطق فهم من يثورون ويقتلون ويذبحون ويملأون الدنيا إرهابًا وعنفًا.
وما حدث فى فرنسا من عمل إرهابى دنىء اعتبره الرئيس الفرنسى اعتداءً على قيم الأمة واعتداءً على الحريات، مؤكدًا أن الظلامية لن تنتصر.
وقد بات من الواضح أن الثعابين التى أوتها الدول الأوروبية، وربّتها على حجرها، بدأت تنفث سمومها، وأن هذه الدول بدأت تحصد ما زرعته، نتاج مساندتها التنظيمات الإرهابية فى المنطقة العربية، وما يقوم به الإرهابيون من قتل وذبح للأبرياء يُعد جريمة نكراء فى حق الإنسانية، وأعمالًا إرهابية دنيئة.
وتكمن المشكلة الرئيسية التى تدفع هؤلاء السفاحين لارتكاب جرائمهم فى «الأصولية الدينية» التى يتبعونها، ما يجعلهم ضيقى الأفق ويحاولون أن يفرضوا بالقوة منظومتهم القيمية على بلدان هم ضيوف عليها، فبدلًا من أن يحترموا قيم البلدان التى أوتهم واستضافتهم يسعون لفرض أفكارهم بالقوة والذبح والإرهاب.. والأصوليون الدينيون يتجاهلون أى علوم أو معارف إنسانية، ولا يلتفتون لأى تقدم حضارى، ويغضون البصر عن جميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ومن ثم يترتب على ذلك الترويج لبعض الأفكار التراثية البالية التى عفا عليها الزمن، والتى تتطلب عقولًا ناقدة لدحضها ورفضها، والتعامل معها فى ظل سياقها التاريخى والحضارى، واستدعاء مثل هذه الأفكار والأفعال الهدامة اليوم، وبتجاهل واضح ومتعمد لكل تقدم أحرزته الإنسانية على مدار القرون الماضية، يُعد تدميرًا للحضارة الإنسانية.
لقد حان الوقت لأن تدرك الدول الأوروبية أن إيواء الإرهابيين والقتلة والعنفاء ليس من الإنسانية فى شىء، وأن الدول التى تفتح الأبواب على مصراعيها لجميع اللاجئين دون روية وبحث، إنما تحتضن وتربى الثعابين فى حجرها، وها قد جاء وقت قيام هذه الثعابين ببث سمومها فى وجه الحضارة الإنسانية.
لقد حان الوقت لأن تراجع الدول الأوروبية قوانينها، واعتبار الأفكار الإرهابية ونشر الكراهية والتعصب والعنصرية، والاستعلاء على المغايرين دينيًا وحضاريًا، ليس من حقوق الإنسان فى شىء، وأن من يروّج لأفكار الجهاد وغزو أوروبا وأمريكا وحتمية فرض الجزية عليهم أو قتلهم، على الدول الأوروبية أن ترحّله فورًا ليعود إلى بلاده التى نشأ فيها وجاء منها، فليس من الممكن أن يأخذ إنسان نارًا فى حضنه ولا تحترق ثيابه!، ومن المستحيل أن يمشى إنسان على جمر ولا تكتوى رجلاه!، وليس من المنطقى أن من يربّى الثعابين فى حجره يمكن أن ينجو يومًا من سمومها.