رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السيبرانى.. طبق سياسة بالتسريبات




ما تقوم به حملتا المرشحين الرئيسيين فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، دونالد ترامب، وجو بايدن، لا يختلف كثيرًا عمّا تقوم به حملات مرشحى مجلس النواب فى مصر، وباختلاف النسب، أو المقادير، تحرص هذه الحملات على تقديم «طبق سياسة بالإفيهات والتسريبات»، وهذا هو عنوان الفصل السابع من كتاب زميلنا وصديقنا أكرم القصاص «السيبرانى.. اضغط هنا».
فرجة من نوع مختلف على ميزات وعيوب شبكات التواصل الاجتماعى، التى صارت أدوات هذا العصر «فيسبوك، تويتر، إنستجرام، يوتيوب، وجوجل»، تلك البحور التى نزَّلها مليارات البشر بإرادتهم، وبات عليهم أن يعوموا فيها، بأيديهم وأرجلهم ورءوسهم، وتنازلوا عن جزء من حريتهم، وخضعوا لقواعد التأثير واللجان والأفراد والجماعات، وهكذا، وجد الإنسان نفسه متورطًا فى قضايا كبرى، بعد أن اختار، بكامل إرادته، أن يصبح «كائنًا سيبرانيًا»، وكلمة سيبرانى «Cyber» تعنى أى شىء مرتبط بالكمبيوتر، الواقع الافتراضى، تقنية المعلومات، أو التطبيقات المرتبطة بها، ولن يصيبك مكروه لو استخدمت كلمة «إلكترونى» بدلًا منها.
يُعد أكرم القصاص واحدًا من أبرز الكتاب الساخرين، غير أن هذا هو كتابه الساخر الثالث، تقريبًا، بعد «عوالم خانة» و«دفاعًا عن حزب الكنبة»، مقابل عدد أكبر من الكتب الجادة «ثورة ضائعة أم ثورة مسروقة؟، مبارك كيف حكم مصر، إسرائيل.. الحرب والتفاوض من أجل الهيمنة، ١١ سبتمبر.. اختبار الحريات وأحوال العرب والمسلمين فى أمريكا، الشرق الأوسط وتأثيرات الحرب فى أفغانستان، والدواء العربى فى ظل اتفاقية التجارة وحقوق الملكية الفكرية».
يقع كتاب «السيبرانى.. اضغط هنا» فى مقدمة وتسعة فصول، تلك عناوينها: «أنت مش أنت على فيس بوك»، «كل واحد ينام على البوست اللى يريحه»، «الأخ الأكبر فى جيبك- حول الجاسوسية الطوعية»، «وشيمة أهل فيس بوك التهويل»، «الأكثر تهجيصًا.. والأكثر تأثيرًا»، ومن الفصل السادس نعرف «كيف يبنى العالم الافتراضى نجومًا ويهدمهم».
فى الفصل السابع، الذى استلفنا منه عنوان المقال، يرصد أكرم أن هناك يوميًا شائعة أو أكثر تحتل المرتبة الأولى فى سجل اهتمامات العالم، مشيرًا إلى أن أكثر الشائعات تأثيرًا هى التى تتكون من «ربع الحقائق وثلاثة أرباع الأكاذيب»، والتى تستند إلى مقدمة صحيحة، مثل القول إن هذه الأخبار تسربت من جهات أمريكية، وقطعًا، خطرت على بالك الآن، رسائل البريد الإلكترونى لهيلارى كلينتون، التى تجدّد الحديث عنها قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أملًا فى أن تؤثر على شعبية مرشح حزبها، الحزب الديمقراطى، جو بايدن، الذى ظهرت، أيضًا، تسريبات تخص قضية فساد، تورط فيها نجله، حين كان يعمل فى شركة غاز أوكرانية.
شبكات التواصل الاجتماعى صارت مسرح العمليات الرئيسى لحملات المرشحين فى الانتخابات، أى انتخابات، هنا أو هناك، وفى الفصل السابع من كتاب «السيبرانى.. اضغط هنا»، ستجد توصيفًا دقيقًا لكثير مما تشهده تلك الحملات، إذ جرت العادة فى كل عملية سياسية أن يخوض المرشحون حروبًا يستخدمون فيها كل الأسلحة حتى لو كانت الشائعات والاتهامات، وأيضًا تكون هناك نماذج لمرشحين يواصلون الترشح والخسارة، ويصرون على الاستمرار، ولك أن تتخيل، مثلًا، أن هناك أكثر من ١٢٠٠ مرشح فى انتخابات الرئاسية الأمريكية، لا نعتقد أنك سمعت أو ستسمع عنهم، كما لا نعتقد أن أحدهم يراهن على الفوز، ولو فى أحلامه!
يطالبك أكرم القصاص بأن تنظر حولك وتتأمل، متوقعًا أنك لو فعلت ستجد أن المرشح الشتام والهجاص وصاحب أعلى إفيهات، هو الأكثر مشاهدة، وهى ظاهرة تغرى أحيانًا المرشح الجاد فينشغل بالبحث عن عيوب خصمه، وليس عن مميزاته الخاصة، ربما لأن الأكثر ضجيجًا، كما يرجّح أكرم، هو الأكثر ظهورًا، بالإضافة إلى أن المرشح المنسحب يكون أشهر من المرشح الجاد، والمرشح الكوميدى «المتنطط» أكثر شيوعًا من المرشح الطبيعى.
كل هذا، فى نظر أكرم، يمكن أن يكون طبيعيًا، غير أننا ننشغل بكل ما هو «كاراكتر» فى السياسيين، ومن هو أعلى صوتًا وأوسع ضجيجًا، والنتيجة أن السياسة أصبحت تسير على شعارات كانت شائعة فى عالم الفن، حيث الممثل «الكاراكتر» الذى يجيد دور الشر مرة، يصبح شريرًا للأبد، ونفس الأمر بالنسبة للكوميدى أو «الإفيهاتى»، وشاعت جملة «عيش كاراكتر تشتغل أكتر»، وبعد انتقال المبدأ لعالم السياسة، أصبحنا نرى مرشح الإفيهات، وناشط الاتهامات، ورجل التسريبات. وأصبح «الكاراكتر» هو القاعدة، بينما الاستثناء أن تجد مرشحًا أو سياسيًا جادًا يخلو من نسبة التسريبات، وهو طبق اليوم، وكل يوم.
ظلمنا الكتاب وكاتبه، طبعًا، حين تركنا ثمانية فصول، وتوقفنا عند فصل واحد، لكن عزاءنا أن الكتاب موجود لدى باعة الصحف وفى المكتبات، بسعر رخيص، ككل إصدارات «كتاب الهلال»، التى يرأس تحريرها زميلنا وصديقنا خالد ناجح، والتى ننصحك بألا تفوّت كتابًا منها.