رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كلمة السر في علاقة جمال الغيطاني الخاصة بالقوات المسلحة

جمال الغيطاني
جمال الغيطاني

ربما كان الكاتب الروائي جمال الغيطاني، والذي تحل اليوم ذكرى رحيله الخامسة، أكثر روائي ومثقف كتب عن القوات المسلحة المصرية، وارتبط بها بعلاقة خاصة جدًا، خاصة وهو كان شاهد عيان على بطولات الجيش من خلال عمله كمراسل حربي منذ حرب الاستنزاف حتى نصر أكتوبر 1973 بل وكان فردًا من المجموعة 39 بحسب زوجته الكاتبة الصحفية ماجد الجندي.

وفي كتابه "المصريون والحرب.. من صدمة يونيو إلى يقظة أكتوبر"، يشير الغيطاني إلى أن مصدر حملات التشويه ضد الإنسان المصري بشكل عام والمقاتل المصري بشكل خاص العدو الإسرائيلي، لأن تشويه المقاتل المصري باعتباره طليعة الكفاح ضد المستعمر المستغل يؤدي إلى تشويه الإنسان ثم تشويه مصر ذاتها، لكن مكونات الوطنية المصرية، والحضارة التي تحرك المصري هي التي تحسم الأمور، وتصد الدعايات المضادة وتمنعها، وتحولها إلى وقود يلهب طاقة النضال.

ويذهب "الغيطاني" إلى أنه ومن خلال وقائع التاريخ المدون، مكتشف حقيقة موضوعية مهمة، وهي أن المقاتل المصري أقدم من حمل السلاح في التاريخ البشري، فالحضارة المصرية تمثل فجر الإنسانية.

وفي شهادته عن حرب 67 واستشهاد اللواء عبدالمنعم رياض يقول الغيطاني: لقد أذيع بيان عسكري وبيان عن الزعيم جمال عبدالناصر، ينعى إلى الأمة المصرية، إلى الأمة العربية، نبأ استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض في الخط الأمامي من جبهة القتال، بالتحديد في منطقة الفردان المطلة على مياه القناة مباشرة، لقد أتيح لي أن أزور موقع استشهاده عدة مرات فيما بعد، لقد استشهد الرجل في أقصى نقطة متقدمة، في موضع يمكن رصد أي إنسان فيه لأن مواقع العدو كانت أعلى لسبب، وهو أن ناتج الحفر لقناة السويس كان يلقي شرقًا وليس غربًا، لذلك أصبح الجيش الإسرائيلي في مواضع حاكمة تمكنهم من كشف أي تحركات على الضفة الغربية، كان القناصة نشيطين جدًا، وإذا رصد أي هدف يتم قصفه بدقة، حققت القوات المسلحة المصرية المعادلة المستحيلة، إعادة البناء العسكري من خلال الاشتباك اليومي، في نفس الوقت كانت هناك جفوة، أو بتعبير آخر مسافة بين الشعب والقوات المسلحة، لم تكن حقيقة ما جرى معروفة، لكن بالنسبة للشعب كانت المؤسسة العسكرية هي التي تتحمل المسئولية.

لكن الموقف تبدل تمامًا صبيحة التاسع من مارس 1969، لقد استشهد رئيس الأركان في المقدمة بين رجاله، وكان الخبر كفيلا بإلغاء تلك المسافة، كانت الصورة العامة للفريق رياض غامضة، لم يكن أحد يعرف عنه شيئًا، لكن ملامح وجهه كانت طيبة، وكانت سيرته وسمعته تسبقه، وقد عرفت مثل كل الناس معلومات أكثر عنه وكتبت عنه كثيرًا وأخذت على نفسي عهدًا أن أذكر به وبآخرين أتيح لي الوقوف على ما قدموه في الحرب فأنا خبير بالنسيان، آفتنا العربية.

لن أنسى ميدان التحرير صباح التشييع، مصر كلها خرجت لتوديع الشهيد، عندما دخلت الميدان قادمًا من القاهرة القديمة رأيت مشهدًا أسطوريًا بحق، الميدان غص بالبشر، ربما مليونان، ثلاثة ملايين، كلهم صامتون تمامًا، حداد أسطوري وحزن وافد من عمق الزمن، هذا الصمت تبدد عندما تحرك الموكب، عربة المدفع تحمل جثمان الشهيد، الزعيم يتقدم الجنازة، الناس تحيط به، الطوق الأمني ينكسر عند بداية شارع سليمان باشا، يصبح عبدالناصر وجهًا لوجه مع الناس، كنت قريبًا جدًا، فجأة يحيط به مجموعة من الشباب الأقوياء والرجال متقدمي السن، أناس عاديون من عامة الشعب، ربما يراهم لأول مرة ويرونه، يشكلون طوقًا بشريًا حوله، يستمر تشييع الشهيد العظيم في مشهد أعظم. رأيت ذلك بأم عيني في ميدان التحرير.