رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الغيطاني» صاحب «التجليات».. حارس القاهرة الأخير

الغيطاني
الغيطاني

قبل خمسة أعوام لبى ابن "جهينة" جمال الغيطاني٬ هاتف المغيب الذي كان يعتبره فكرة موجودة في الميراث الشعبي وأساسية جدا خاصة في الصعيد٬ وحالة نفسية مر بها وتحدث عنها في أكثر من مناسبة:"يحدث ما يشبه أمرا أو يُنطق الاسم ما بين اليقظة وما بين النوم." هذه الحالة التي يتحدث عنها الصوفيون، يتحدث عنها ربما الحلاج، ابن عربي، في لحظة معينة هي نوع من التواصل من الإشراق.

يواصل الغيطاني حالة تجلي وهو يتحدث: "من خلال خبراتي الحسية المفهوم منها وغير المفهوم في شيء، لكن إيه هو بالضبط أنا لا أستطيع أن أضع يدي عليه٬ يعني أنا أذكر مرة حصل هاتف وشككت أن مصدره مولانا وسيدنا الحسين، أنا متعلق بالحسين، متعلق بسيدنا الحسين كشخصية، كدور، كموقف. وبالمناسبة كل المصريين، يعني لما واحد جاي من بلدنا مثلا لا يعرف أحدا في القاهرة، تفتكر إيه المكان اللي حيروحه؟ حيجي المعادي؟! حيروح الحسين. الحسين إذا لم يجد أحدا يعرفه سيجد من يساعده يعني من الناس اللي بتيجي تتصدق على الفقراء، ممكن ينام جانب الحسين ما حدش حيقول له أنت نائم ليه."

أخلص الغيطاني وإنجاز لمكونات الشخصية المصرية القبطية الإسلامية٬ وعراقتها الحضارية التاريخية التي صنعتها حالة التلاقح ما بين شفافية الوجد الصوفي وعذوبة التراتيل والألحان الكنسية٬ ومعرفته بالتراث المسيحي بقدر معرفته بالتراث الإسلامي المصري٬ أو كما ما يصفه الكاتب فرنسوا باسيلي:"انتعاش الغيطانى وهو يستمع إلى الألحان والتراتيل القبطية فى الكنيسة ليلة الميلاد هو بعض من اهتمامه ومعرفته الواسعة بالتراث المسيحى القبطى فى مصر، ومعرفته بهذا التراث تدهشني شخصيا أنا القبطى ابن رجل الدين المسيحى الذى تكتظ مكتبته بأشكال وألوان من هذا التراث فى صوره المكتوبة والمسموعة والمرئية.

وانتعاش الغيطانى بهذا التراث هو انتعاش المتذوق المحب المقدر وليس مجرد موقف مثقف مصرى يشعر أن من واجبه معرفة شئ عن ثقافة شركاء الوطن- ومكتبته مليئة بالقديم والجديد عن الأقباط وتاريخهم وكنيستهم وفنونهم.

يؤكد "باسيلي": كما أن اهتمام الغيطانى بالوجه القبطى لمصر ليس كاهتمام المثقف المسلم الليبرالى الذى يهتم بالأقلية المسيحية كنوع من تأكيده لموقفه العلمانى وترحيبه بالتعددية الدينية والثقافية فكثيرا ما تجد مثل هذا الليبرالى المسلم مبتعدا عن تراثه الإسلامي منجذبا للتراث الغربى انجذابا كثيرا ما يصل إلى حد الخلل والسقوط فى عبودية الآخر، وهو تطرف مخل تماما كالذى يسقط فى كراهية الآخر.

أما الغيطانى فاهتمامه وهيامه بالتراث الإسلامى - وخاصة الصوفى منه - هو اهتمام هائل وشامل وعميق ودقيق وكتاباته تكاد أن تكون كلها امتدادات مثيرة لما فى التصوف الإسلامى من صفاء وجزالة لغوية وروحية معا، وتكاد أن تكون أسئلته كلها هى أسئلة التصوف الكبرى الغائرة فيما وراء المحسوسات محاولة كشف المستور وسبر غور الملموسات، ويقول رفيق دربه الروائى يوسف القعيد: "إن الغيطانى فى كل أعماله له سؤال واحد: أين ذهب الأمس؟.