رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سياسات أردوغان تزيد جراح الاقتصاد التركي وسط تذمر من المصدرين والمعارضة

أردوغان
أردوغان

دفعت سياسات الحكومة التركية برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان، والتدخل في شؤون العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط، إلى وضع تركيا في موقف حرج في الفترة التي يعاني اقتصادها اختلالات عديدة.

وكان أبرز تلك المواقف انهيار الليرة التركية أمام العملات الأجنبية على مدى عامين، وعدم قدرة الحكومة على كبح هذا الانهيار، مما أثر على الاحتياطي النقدي وأسهم في مزيد من عجز الميزانية، فضلًا عن فرار المستثمرين الأجانب والمحليين إلى مناطق أكثر أمنا.

وأدى تصعيد سياسات التدخل ومحاولات التمدد في العديد من الدول إلى رفض شعبي واسع لتركيا، التي كانت من قبل نموذجا مرحبا به ونجحت في تطوير علاقاتها مع مختلف الدول، قبل أن تسعى إلى توظيف الاضطرابات التي شهدتها المنطقة في عام 2011 في تكريس هيمنتها على دول تعتقد أن من حقها الوجود فيها، لاستعادة الحقبة العثمانية وتنصيب نفسها قائدا للمنطقة على الرغم من رفض المعارضة التركية ذاتها لهذا النهج، الذي أكدت أنه ألحق كثيرا من الضرر بتركيا وصورتها في العالم، فضلا عن الخسائر الضخمة التي تكبدها اقتصادها نتيجة لذلك.

يذكر أن العديد من الدول العربية شهدت في الفترة الأخيرة دعوات شعبية لمقاطعة البضائع والمنتجات التركية ووقف استيرادها بسبب الخطاب العدائي للرئيس إردوغان وأعضاء حكومته تجاهها، ومن أبرزها السعودية التي شهدت خلال الأشهر الأخيرة حملة شعبية وصلت إلى ذروتها في الأسابيع الأخيرة، بسبب رفض المواطنين الحملة الممنهجة على بلادهم، سواء في التصريحات الرسمية أو من جانب الإعلام التركي الرسمي أو الموالي للحكومة.

وتصاعدت دعوات المقاطعة أيضا في دول كانت تحاول حكومة إردوغان اتخاذها مرتكزا لسياساتها في المنطقة، مثل تونس التي ربطتها بها علاقة قوية مع حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي، والتي شهدت دعوات شعبية، فضلًا عن ضغوط من البرلمان لوقف اتفاقيات مع تركيا بسبب إلحاقها الضرر ببلادهم.

كما قررت الحكومة العراقية اللجوء إلى سلاح الضغط الاقتصادي للرد على التدخل التركي العسكري في شمال البلاد، فضلا عن عدم مرونة تركيا فيما يتعلق بملف المياه، وصولا إلى دعوات في المغرب بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا وتمزيقها، بعد أن سبق ذلك خطوة مماثلة مع الأردن التي ألغت اتفاقيتها مع تركيا بسبب الأضرار التي لحقت بالاقتصاد.

وبجانب الحملات الشعبية، دعا عجلان العجلان، رئيس مجلس الغرف التجارية السعودية، قبل أيام، إلى عدم التعامل مع تركيا اقتصاديا، بسبب استمرار إساءتها للقيادة السعودية.

وقال فى تغريدة له على تويتر إنه "‏لا استثمار ولا استيراد و‏لا سياحة، نحن كمواطنين ورجال أعمال لن يكون لنا أي تعامل مع كل ما هو تركي، حتى الشركات التركية العاملة بالسعودية أدعو إلى عدم التعامل معها، وهذا أقل رد لنا ضد استمرار العداء والإساءة التركية إلى قيادتنا وبلدنا".

وتواصلت الدعوات لمقاطعة المنتجات التركية على مواقع التواصل الاجتماعي، ردًا على سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتدخلاته في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.

وتفاعل آلاف النشطاء العرب على صفحات التواصل الاجتماعي مع هاشتاج "قاطعوا المنتجات التركية"، وفقا للشرق الأوسط.

وأكدت شركات تركية كثيرة أنها تضررت جراء هذه الحملة الشعبية التي تستهدف وقف شراء منتجاتها في السعودية.

وطالبت الحكومة باتخاذ خطوات لتخفيف التوتر مع السعودية من أجل مواصلة عملهم كما كان في السابق، لا سيما أنهم لم يصادفوا مشاكل من قبل كالتي يصادفونها الآن نتيجة انعكاس الوقف السياسي لبلادهم على عملهم.

وفى السياق ذاته، حذر رئيس لجنة العلاقات الاقتصادية الخارجية التركية، نائل أولوباك، الأسبوع الماضي، من خطورة دعوات المقاطعة على مئات المصدرين الأتراك.

وقال أحد المصدرين من غازي عنتاب جنوب شرق تركيا، يعمل في منطقة الخليج العربي منذ 30 عاما، إن الطلبات على المنتجات التركية في السعودية باتت شبه متوقفة بسبب دعوات المقاطعة.

وحذر النائب التركي عن حزب الشعب الجمهوري بمدينة هطاي، محمد جوزال منصور، من أن تؤدي سياسات الرئيس إردوغان، إلى إفلاس المصدرين الأتراك، متهما الحكومة بعدم الاهتمام بقضايا المصدرين، في ظل ما تواجهه البلاد من أزمات، في مقدمتها الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي ازدادت سوءا بعد تفشي وباء كورونا.

وأكد النائب أن بلاده ليست لديها القدرة على أن تتحمل مزيدا من الخسارة في الوقت الراهن، سواء علاقاتها التجارية مع السعودية أو غيرها من دول الشرق الأوسط.

وكان حجم التبادل التجاري بين تركيا والسعودية بلغ العام الماضي 5.1 مليار دولار، بحسب أرقام وزارة التجارة التركية، التي أشارت إلى ارتفاع حجم التبادل في عام 2019، مقارنة مع عام 2018، الذي هبط فيه إلى حدود 4.8 مليار دولار.

كما بلغت الصادرات التركية إلى السعودية بين يناير وأغسطس من العام الجاري بلغت 1.9 مليار دولار، بانخفاض 400 مليون دولار عن الفترة ذاتها من العام الماضي، التي بلغت فيها الصادرات التركية إلى السعودية 2.3 مليار دولار.

كما بلغت الصادرات السعودية إلى تركيا في الفترة نفسها 1.1 مليار دولار، بعد أن كانت 1.44 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، بانخفاض بلغ أيضًا 350 مليون دولار.

كما وجهت صحيفة جمهوريت التركية انتقادا لسياسة أردوغان تجاه السعودية ودول المنطقة، مشيرة إلى أنها أدت إلى تضرر مئات الشركات التركية التي تعمل في مجال تصدير البضائع إلى السعودية، على مدى ما يقرب من عامين، لافتة إلى أن السعودية تأتي في المرتبة 15 بين الدول التي تتجه إليها المنتجات التركية.

وقالت الصحيفة المعارضة إن الموقف التركي من الأزمة مع قطر، والعمليات العسكرية التركية في سوريا، وقضية خاشقجي، أدت إلى تصاعد التوتر بين البلدين في الفترة الأخيرة.

والخميس ألغى العراق، عقدا وقعه مع مجموعة بقيادة مؤسسة البترول التركية لتطوير حقل المنصورية الغازي قرب الحدود الإيرانية، بعد أن أوقفت الشركة التركية أعمالها منذ عام 2014 بذريعة عدم توافر الأمن.

وتشهد العلاقات توترا في الفترة الأخيرة بسبب العمليات العسكرية التركية في شمال البلاد، وكذلك أزمة المياه الناجمة عن تشغيل سد أليسو التركي على نهر دجلة.

وفي عام 2019، ألغى الأردن اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع تركيا، بسبب التحديات التي تواجه قطاع الصناعة، جراء إغلاق المنافذ الحدودية مع الدول المجاورة وانحسار الأسواق التصديرية التقليدية أمام الصادرات الوطنية.

ولم تحقق اتفاقية الشراكة الأردنية التركية منذ دخولها حيز النفاذ في 2011 النتائج المرجوة، وأسهمت في ارتفاع العجز في الميزان التجاري لمصلحة الجانب التركي، مع عدم قيام الأخير بإحداث فرق يذكر في حجم التدفقات الاستثمارية التركية للأردن.

وأثار مشروعان لاتفاقيتين تجاريتين مع تركيا وقطر، جدلًا شعبيًا واسعًا في تونس، دفع البرلمان إلى تأجيل التصويت عليهما، صاحبته اتهامات من نواب لرئيس البرلمان راشد الغنوشي باستغلال سلطته، لتمكين الدولتين من مزيد من التغلغل وإحكام القبضة على الاقتصاد التونسي، في إطار أجندة سياسية مرتبطة بمشروع تنظيم الإخوان المسلمين في تونس.

وحذر الاتحاد التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية بالبلاد في بيان، من استغلال الظرف الحالى بسبب كورونا لتمرير مشاريع واتفاقيات خارجية معادية لمصالح تونس وترتهن مستقبل الأجيال لصالح اصطفافات وأحلاف أجنبية، مؤكدا أن أي خطوة في هذا الاتجاه ستواجه بالرفض الشعبي والتصدي المدني ولن يتأخر الاتحاد عن خوض النضالات الضرورية لإسقاطها.

ومؤخرًا تداولت وسائل إعلام مغربية تصريحات منسوبة إلى وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الرقمي مولاي حفيظ العلمي، بشأن استعداد المغرب لإعادة النظر في اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، مشيرا إلى رده على أسئلة النواب بالبرلمان إلى أنه قال للجانب التركي: "إما نتفق على تعديل الاتفاقية أو سنقوم بتمزيقها".