رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صلاح فضل: قانون مجمع اللغة العربية يحتاج لتغيير لإفساد «تربيطات الإخوان الانتخابية» (حوار)

صلاح فضل
صلاح فضل

منذ أن تولى الدكتور حسن محمود عبد اللطيف عام 2012 رئاسة مجمع اللغة العربية، خلفًا للدكتور محمود حافظ، ليصبح أول أزهرى يعتلى المنصب، وأعضاء المجمع جددوا له لفترة ثالثة التي جرت في 17 فبراير الماضي، رغم رفض 5 أعضاء بالمجمع.

وأكد الكاتب والمفكر الدكتور صلاح فضل، في حوار لـ«الدستور» أن وزارة التعليم العالى والبحث العلمي التي يتبعها مجمع اللغة العربية لم تصدق على نتيجة انتخابات المجمع الأخيرة التي جرت في 17 فبراير 2020، وأن التقليد السائد منذ تأسيس المجمع حتى الآن اكتفاء التجديد للقيادات لفترتين فقط؛ مطالبا بإعادة النظر في التجديد الأخير للمجمع وضخ دماء جديدة لكي يعود إلى سيرته فى مراحل الازدهار الأولى.

وإلى نص الحوار..
ـ منذ تولى حسن الشافعي رئاسة المجمع، وإخراجه غير المنتمين للجماعة الإرهابية، وكان بينهم الدكتور مصطفى الفقى، وآخرين.. كيف ترى موقف هذا الرجل؟

منذ تولى الدكتور حسن الشافعي رئاسة مجمع اللغة العربية فى نوفمبر 2012 إبان فترة صعود جماعة الإخوان الإرهابية وعلاقته بهم معروفة وشائعة على علمه وفضله وثقافته ودماثة خلقه، لكن هذا شىء والانتماء الإيديولوجي شيئًا آخر، وأدى ذلك إلى اصطباغ المجمع فى قبوله للأعضاء الجدد بصبغة جعلته لا يتحمس للأدباء أو الشخصيات العامة ولا لفئات اجتماعية من العلماء الذين يجب أن يكونوا ممثلين فى المجمع مثل إخواننا من الكتاب الأقباط، خاصة أنه يوجد أشخاص بارزة فى الفكر واللغة والأدب تستحق الاهتمام والعناية؛ وبالتالى استمر هذا لفترة ثمانى سنوات جدد فيها للدكتور حسن الشافعي لولاية ثانية، واعتقد أنه طبقا للتقليد الذى ساد منذ ثورة 1919 حتى الآن فإن القيادات تكتفى بفترتين، ولذلك فى تقديرى أنه آن الأوان لترشيح قيادة المجمع، وآن الأوان له أيضًا أن يعود إلى سيرته فى مراحل الازدهار الأولى عندما كان على ذروته طه حسين، وتوفيق الحكيم والعقاد ومن قبلهم أحمد لطفى السيد.

ـ كيف ترى قرار تجديد المجمع للدكتور حسن الشافعى للمرة الثالثة؟

للأسف قانون المجمع لم يتغير ولم يضع حدًا للفترتين، وكنت أتصور أنه سيعزف عن ذلك من تلقاء نفسه، لكن أصحاب السلطة دائما يميلون إلى الاحتفاظ بسلطتهم، وتم إعادة انتخابه في فبراير لكن الوزارة المسئولة لم تصدق على هذا الاختيار وهى وزارة التعليم العالى والبحث العلمي، ولعل ذلك كان إشارة إلى ضرورة التغيير.

ـ مجمع اللغة العربية هيئة مستقلة ولها استقلال مالى وإدارى وتتبع وزير التعليم العالى.. فى رأيك لماذا لم تتدخل فى هذا الأمر؟

القدر المتاح من التدخل القانونى هو استخدام حق التصديق، فالناس يختارون ما يريدون والدولة لها رؤيتها كما يحدث فى كل المؤسسات والهيئات الآن.. "الناس يختارون أكثر من شخص والدولة لها حق الاختيار" لأن هذه مواقع قيادية دقيقة كما يحدث فى الجامعات والهيئات القضائية.

ـ ما دلالة أن يجدد انتخابه من قبل 28 عضوا بالمجمع؟
دلالة ذلك أن أعضاء المجمع بطبيعتهم غير مشتغلين بالسياسة، ومعظمهم يتوفر على فروع تخصصه العلمي، وأن علاقتهم بالحياة العامة محدودة، وهناك عوامل أخرى أن الجماعة الإرهابية تجيد حبكة التربيطات الانتخابية وتنجح فى ذلك، رغم أن النسبة لم تكن هكذا تماما حيث كان هناك 5 أصوات رفضوا التجديد له ضد 27 صوتا، وهؤلاء هم الذين لا يخضعون لمثل هذه التكتيكات ويعلنون وعيهم وانتباههم لهذه الاعتبارات.

ـ هل ترى أن ما يحدث داخل المجمع منذ 2012 إلى الآن يتوافق مع ما تتبناه الدولة من نهج يتعلق بتجديد الخطاب الديني؟

إطلاقا وأنا نبهت لذلك، وقولت إن هذا يخلق مواجهة بين المجمع واتجاهات الدولة وهذا لا يجوز ولا يليق، لأننا فى النهاية مؤسسة علمية كلما تبنت مصالح الدولة العليا، وكلما عملت على تأكيد الهوية العربية والمواطنة المصرية، وعلى التوافق مع مشروع الدولة فى النهضة ومشروعاتها الكبرى التى تقوم بها الآن كلما كان ذلك متسقا ومتناسقًا مع توجهات الدولة، وبقايا هذه الجماعة يتظاهرون بذلك لكن الحقيقة بطبيعة الأمر تختلف، وأنه ليس فى مؤسسة مجمع اللغة العربية ولكن فى كثير من المؤسسات المصرية من هم على هذه الشاكلة، وبالتالى فإن عناصر الإخوان إذا تسلموا مناصب قيادية يعيقون حركة المجتمع فى النهضة.

ـ هل ترى ضرورة لتجديد الخطاب الثقافى تزامنا مع تجديد الخطاب الديني؟

هذا من صلب مشاغلى وهمومى الجوهرية، وتجديد الخطاب الثقافى فى تقديرى هو الضرورة الملحة التى تدفعنا إليها التحديات التى نواجهها الآن؛ ويتمثل ذلك فى تقديرى فى ثلاثة نواحى أساسية أولها تقديم التفكير العلمي وإشاعته فى كل مستويات الحياة العامة؛ ووضع الأولوية للفكر العلمي لأن الثقافة الآن يقودها العلم، وثانيًا تجديد الخطاب الدينى كى لا يظل على تقليديته وعلى جموده وعدائه لحركات الإصلاح الضرورية فى المجتمع، وهناك اقتراحات جوهرية هي أنه منذ قرن واحد من الزمان لم يكن هناك سوى التعليم الديني فى جامع الأزهر وبعض المساجد الكبرى، لكن منذ إنشاء التعليم المدنى ومصر تعانى من "ازدواج عقلها" بين سيطرة التعليم الدينى فى المراحل الأساسية، وسيطرة التعليم المدني، وهذه الازدواجية لا بد من محاولة التقريب بينها حتى تنتهى تدريجيا؛ بمعنى الآن منذ خمسين سنة أو أقل – فى خسمينات القرن الماضى- كان لدينا معاهد أزهرية تعد على أصابع اليد الواحدة، أما الآن أصبح لدينا أكثر من 20 أو 25 ألف معهد أزهرى للتعليم الديني - هذا يخرج قنابل موقوتة - لأن التعليم الديني ينبغي أن يقتصر على التخصصات العليا بالكليات؛ لكن التعليم لا بد أن يكون متسقا بجرعته المادية العلمية والدينية الضرورية فى نظام واحد كما هو معمول به فى كل الدول، وأن دمج التعليم الديني فى المدنى ضرورة لابد من القيام بها فى إصلاح الخطاب الثقافي.

ـ لماذا أغفلت دور المؤسسات الثقافية فى موضوع الأطراف الفاعلة لتجديد الخطاب الثقافي؟

لأن المؤسسات الثقافية لا تنتج ثقافة وإنما هي ترعى ما ينتج؛ لذلك أنه عندما تعلن عن مسابقة لأفضل الأعمال هي ليست لديها آليات لإنتاج هذه الأعمال ومن ينتجها هم المبدعون الموهوبون لكنها تجيز وتكافئ من يحسن أدائها، فالمؤسسات الثقافية بقدر صلاحيتها وميزانيتها وهى محدودة جدًا، وأنا أعرف أن كثير من المؤسسات الثقافية لا تجد الآلية ولا الوسائل ولا الإمكانات المادية التى ترشحها لكى تقوم برسالتها على أكمل وجه، وبالتالى هي فى حاجة إلى دعم مادي؛ لأن صناعة العقل والانتماء الوطنى هى مسائل ثقافية فى الدرجة الأولى، وأزمتنا مع الجماعات الدينية ليست مجرد نزاع على السلطة لكنه نزاعه على الهيمنة الثقافية هم يريدون أن يهيمنوا بطريقة فاشية وإرهابية على السلطة فى مصر.

ومصر بتكوينها الحضارى لا تقبل هذه الهيمنة الدينية الفاشية لأنها دولة القانون والمواطنة ودولة مدنية فى صميمها، والإسلام نفسه دين مدنى فى الدرجة الأولى، وبالتالى حربنا مع الإرهاب مثل أنها حرب أمنية هى حرب فكرية، والمؤسسات الثقافية لا تملك الإمكانات البشرية أو المادية اللازمة لمضاعفة الجهود لتنمية الوعي وتعميق الانتماء وانتصار الثقافة المدنية على التوظيف السيئ للدين فى سبيل اختطاف الجماهير كما حدث فى العقود الماضية.

ـ لماذا يتصدر خريجي الكليات ذات التخصصات العلمية والتطبيقية عضوية الجماعات المتطرفة عن أبناء الكليات ذات التخصصات الاجتماعية والإنسانية؟

أفسر ذلك بحاجة التعليم الأساسي والجامعى إلى التغيير المنهجى الجذرى الذى يؤدى إلى تشكيل العقل العلمي المستنير، أنا مثلا قدر لى فى العامين الأخيرين أن أكون رئيسا لقطاع الآداب فى المجلس الأعلى للجامعات، ومنذ عام تقريبًا شرعت فى إدخال منظومة من المناهج أولا فى كليات الآداب ودار العلوم والألسن ذات طابع فني تشمل 8 مواد هي "الفن المصرى القديم الفرعونى، والفن القبطي، والفن الإسلامي، وفن عصر النهضة، والفن الحديث" عبارة عن 4 مواد فى الفنون التشكيلية، و4 مواد فى الفنون التمثيلية وهي "السينما، والموسيقى أو الفنون الشعبية، والغناء، والمسرح"، وهذه المواد عندما تدرس فى الكليات النظرية ستدعم عملية تشكيل العقل الذى تحدثت عنه وأملنا فى الخطوة القادمة أن نجعلها من متطلبات الدراسات الجامعية فى كل الكليات العملية لأننا لا يمكن أن نتصور أن خريج كلية الهندسة أو الطب أو العلوم أن يقول على الآثار المصرية أنها "مساخيط" وتماثيل ويجب هدمها، أو لا يعرف الفنون القبطية أو لا يعرف فن عصر النهضة أو العصر الحديث، أو أن يقول أن السينما أو المسرح حرام، وأنه إذا درس هذه الفنون الثمانية دراسة علمية فى مرحلة الجامعة إلى جانب تخصصه العلمي بالتأكيد سوف يكون إدراكه لها وتذوقه لجمالياتها يعصمه إلى حد كبير من أن يخضع لعمليات غسل المخ وتلفيق الأفكار التى يخضعون لها الآن.

ـ هل أنجزت خلال فترة العزل المنزلى أي مؤلفات جديدة؟

باستمرار أنا أنشر مقالا نقديا يوم الجمعة كل أسبوعين وأكتب فى تخصصى "النقد الأدبي" فى إحدى الصحف، وأتابع كتابات الأجيال الشابة والكبيرة، ولا أعتقد أن هناك من نقاد العالم العربى من يحرص على هذه الرسالة مثلى وهو ما يجعلنى دائم القراءة والكتابة يوميا، أما على مستوى الكتب صدر لى آخر كتاب بعنوان "انصاف الإبداعات الفنية المكتوبة باللهجات العامية"، ولي كتاب آخر فى المطبعة بعنوان "صدى الذاكرة" وهو خلاصة التجارب التى مررت بها فى المجالات الثقافية والفكرية والعامة.

ـ هل كتابك "صدى الذاكرة" الذى سيصدر قريبًا هو سيرة ذاتية؟

يتضمن جزءًا من السيرة الذاتية وجزءًا من السيرة الموضوعية، لأننا في حرب مع الأفكار المتطرفة، وتقريبا فكرة وثائق الأزهر أنا الذى تحملت مسئوليتها وكتبت الوثائق الشهيرة الذى للأسف أصحاب الخطاب الديني تراجعوا عنها بعد ذلك.