رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شهر أكتوبر فى التاريخ المصرى


هَلَّ علينا شهر أكتوبر، وهو بحق من الأشهر المجيدة فى التاريخ المصرى، ولكن استرعى انتباهى ما اعترى الذاكرة الوطنية من وهنٍ؛ إذ أصبحنا لا نتحدث إلا عن السادس من أكتوبر فحسب، وحتى هذا العام جاء الحديث عن حرب العبور ليس كما تستحق الذكرى، ولكن هل نسى المصريون أنهم فى شهر أكتوبر كانوا على موعد مع العزة والكرامة؟
أتساءل لماذا نسينا ٢٩ أكتوبر ١٩٥٦؟، أتحدى أى شاب تحت سن الثلاثين أن يتعرف على مغزى هذا التاريخ، رغم أهميته الحيوية، ليس فقط فى تاريخ مصر المعاصر، بل وفى تاريخ المنطقة والعالم بأكمله. فى هذا اليوم، ٢٩ أكتوبر، بدأ العدوان الثلاثى على مصر، ثلاث دول تهاجم الثورة الوليدة: إنجلترا الإمبراطورية التى لا تغيب عن أملاكها الشمس، أو هكذا كانت، وفرنسا الدولة الاستعمارية الكبرى، وإسرائيل التى جرحت الكبرياء العربى فى حرب ١٩٤٨.
هل هناك مَنْ يتذكر هذا الحدث المهم الذى تعرضت له مصر فى أعقاب قرارها الجرىء بتأميم قناة السويس فى ٢٦ يوليو ١٩٥٦؟ هل ما زلنا نفتخر بإدارة مصرية جيدة على المستويين السياسى والعسكرى فى مواجهة هذا العدوان؟ هل نسينا نجاح مصر فى فرض جلاء القوات المعتدية لذلك أصبح يوم ٢٣ ديسمبر ١٩٥٦ هو عيد النصر؟، هل نسينا هذا التاريخ؟، هل نتذكر أن هذه الحرب كتبت صفحة النهاية للإمبراطورية البريطانية، أو كما قيل قطعت ذيل الأسد البريطانى، وأدت إلى نهاية فرنسا الاستعمارية، وانسحاب إسرائيل من سيناء؟.
وفى ٦ أكتوبر ١٩٧٣ كان قرار العبور؛ عبور الأمة المصرية، بل الأمة العربية من الهزيمة إلى النصر، هل فى زحمة الأحداث وتقلبات السياسة الإقليمية والدولية نسينا أن هذا هو الانتصار العربى الوحيد فى القرن العشرين؟، ألم يترتب على هذا الانتصار معركة دبلوماسية أدت- رغم كل الملاحظات- إلى عودة سيناء إلى حضن الوطن من جديد؟، هل نسينا معركة إعادة طابا، وكيف نجحت الدبلوماسية المصرية فى إثبات مصرية طابا فى مواجهة الادعاءات الإسرائيلية أمام المحكمة الدولية؟.
ولا يتوقف شهر أكتوبر وأمجاده عند هذا الحد، بل يقدم لنا نموذجًا مشرفًا آخر، وعيدًا من أعيادنا القومية: ٢٤ أكتوبر ١٩٧٣، عيد المقاومة الشعبية، الذى أصبح العيد القومى للسويس، وهو فى الحقيقة عيدًا لكل المصريين. هل نتذكر المغامرة الإسرائيلية فى أحداث الثغرة، ومحاولة الجيش الإسرائيلى دخول مدينة السويس فى حملة استعراضية، وتكاتف المقاومة الشعبية مع الجيش المصرى فى السويس فى مواجهة العدوان الإسرائيلى؟. لقد نجحت المقاومة الشعبية- التى تبنت تكتيك حرب العصابات- فى تلقين الجيش الإسرائيلى درسًا أصبح يُدرَّس جيدًا، فى صعوبة اقتحام الجيوش النظامية المدن الكبرى.
عاتِب بشدة على تجاهل أمجاد شهر أكتوبر فى التاريخ المصرى، أرواح الشهداء فى ٢٩ أكتوبر ١٩٥٦، و٦ أكتوبر ١٩٧٣، و٢٤ أكتوبر ١٩٧٣، تنظر إلينا من عِلِّيِّينَ، وتطالبنا بالحفاظ على الذاكرة الوطنية.