رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«النساء آتون»


لطفًا عزيزى القارئ لعنوان المقال، وما قد يتبادر إلى ذهنك من أنه خطأ لغوى، فالمقصود هنا أننا نعيش عصر حضور المرأة العصرية، وفى انتظار حضور المرأة الأكثر إشراقًا وتحضرًا.. وهنا لا ينبغى أن يمارس أعداء تحضر المرأة فرض رؤاهم الانتهازية بتغيير علامة المد فى «آتون» التى تشير إلى «المجىء» النسائى، واستبدالها بالهمزة لتصبح «أتون» لتشبيههن بأتون النار والعذاب، لا سمح الله.
كان للكاتب الكبير عباس محمود العقاد تناوله الخاص الاستشرافى فى وصفه لدور المرأة فى بدايات القرن الذى يلى القرن الذى يعيشه، فيقول «.. إن المروءة، بل الضرورة تقضى علينا أن نرأف بها كما نرأف برفيق ضعيف لا غنى عنه، وإذا كان لا يحق أن تكون سيدة كما هو اليوم، فليس ذلك بإرجاعها (أمة) كما كانت أمس، ولا شىء من العدوان على حريتها أو اهتضام حقوقها، فهذا المجتمع يشهد معركة ضروسًا والنساء آسيات جروحه، ومضمدات كلومه، وجابرات كسوره، فكيف به وقد طرح آسياته المراهم واللفائف، وتبدلن منها الخناجر والقذائف، ثم برزت للنضال بين المناضلين.. أعوذ بالله.. إن المجتمع ليكون ساعتئذ كأنه قطيع من الذئاب قد أضراه الجوع والسعار..».
أمر غريب أن تكون تلك الرؤية لمفكر كبير بقامة «العقاد للمرأة ومستقبلها.. أعتقد أنه وبعد مرور ما يقرب من قرن من الزمان على كلام العقاد، ما زال هناك للأسف مَن يكرر هذه الدعاوى الغريبة الآن حول ضعف قدرات المرأة وأنها ليس لها من سبيل سوى اعتمادها على الرجل الذى يجب أن يخوض عنها وعن المجتمع كل المعارك، ودورها هو التلطيف والطبطبة والحنان وتضميد الجراح.. وأظن أن ما قيل مؤخرًا من آراء رجعية حول عدم صلاحية المرأة لمناصب القضاء هو تكرار لحديث قديم.
هل لنا أن نتصور، وكما تذكر الكثير من المراجع التاريخية، أن فكرة إنشاء جامعة الدول العربية هى وليدة للمؤتمر النسائى العربى الذى نظمته هدى شعراوى فى القاهرة فى أكتوبر عام ١٩٣٨ للدفاع عن قضية فلسطين؟!.. لقد كان آخر ما كتبته هدى شعراوى ونشر بالأهرام يوم وفاتها هو تلك البرقية: «تلقت رئيسة الاتحاد النسائى العربى برقيات من رئيسات الاتحادات النسائية فى الأقطار الشقيقة العراق- سوريا- فلسطين- لبنان- شرق الأردن».
كتبت فيها «بمناسبة انعقاد جامعة الدول العربية يفوضنها فى اتخاذ القرارات الحاسمة لنصرة فلسطين، وتأييد الجامعة فى نضالها، كما عبرت فى هذه البرقية عن تنظيم جهودهن لجمع المال وإعداد الكساء وقيد أسماء المتطوعات للإسعاف والاستعداد الكامل للجهاد مع أخواتهن العربيات جنبًا إلى جنب..».
ورغم المكاسب الهائلة التى تحققت للمرأة فى الفترة الأخيرة فى عصر الرئيس عبدالفتاح السيسى، والتى منها زيادة عدد من يحملن الحقائب الوزارية، وتعيين سيدة فى منصب محافظ لأول مرة، وتمثيل المرأة بعدد هائل غير مسبوق فى البرلمان الحالى، والمبادرات الرئاسية الرائعة لحماية ودعم أحوال المرأة الأم والزوجة والعاملة، فإن المرأة ما زالت تتعرض لأشكال عديدة من العنف، وتتأثر فى حياتها الخاصة والعامة بالتطرف الدينى، وبالاتجاهات والقيم وأنماط السلوك السائدة فى المجتمع التى تعتبرها دون الرجل فى القدرات الجسدية والعقلية، والتى تنقلها وسائل الإعلام وتعمل على تثبيتها وتدفع المرأة بالتالى للتصرف ضمن القوالب المتوقعة.
وبالمناسبة نأمل تكرار المواقف الخالدة للمستنيرين والنخبة فى إطار التعاطف والتأييد للمرأة المكافحة والمتميزة، لدعم دورها المجتمعى والوطنى.. وهنا يمكن على سبيل المثال أن نعيد القارئ إلى موقف العالم المصرى الكبير الدكتور مصطفى مشرفة من تلميذته سميرة موسى، وتصميمه على تعيينها، إلى حد تقديم مذكرة بتلك الرغبة إلى وزير المعارف وإرفاقها بطلب استقالة من عمادة الكلية، إيمانًا منه بأنه لا شىء يمنع تحقيق العدالة للمتفوق.
كتب المفكر والكاتب الكبير توفيق الحكيم مقالًا بمجلة «آخر ساعة» تحت عنوان «المرأة بعد سنة ٢٠٠٠» عدد ١٠٧١٩٤٦ يستهله بقوله أردت يومًا أن أتخذ مهنة الفلكى لحظة، وأن أسدد المنظار إلى النجوم وأطالع الغيب، لأرى ما سوف يحدث للمرأة من تطور فى مستقبل الأيام.. وأستطيع أن أؤكد للناس أنى أبصرت الذى سوف يقع على وجه الدقة والتحقيق.. ويسترسل الحكيم فى عرض عدد من التوقعات بشكل غاية فى الطرافة والرؤية الثاقبة.. أتوقف عند بعضها فى سنة ٢٠٠٠ ميلادية تظفر المرأة بحلمها، وتنال المساواة بالرجل فى كل الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية، فلم يعد هنالك ما يحول بينها وبين المناصب التى استأثر بها الرجل.. فهى تتولى الآن رئاسة الوزراء، وتؤلف وزارات بعض أعضائها من الرجال والبعض من النساء، وهى تشترك فى الأحزاب وترأس بعضها.
ويستطرد: «فى سنة ٢١٠٠ ميلادية يصبح للمرأة الحق فى أن تُعين قاضية فى المحاكم العليا وأن ترأس محاكم النقض، وأن تكون فى منصب النائب العام.. فى سنة ٢٢٠٠ ميلادية تحتل المرأة المراكز العليا فى الجيش، فهى تستطيع أن تكون قائدة ورئيسة لأركان الحرب..».
بين رؤية «العقاد» ورؤى «الحكيم» لقدر ومكانة ودور المرأة ما يستحق التأمل والسؤال عن ذلك الفارق الفكرى والإنسانى بينهما وأسبابه، فعصر النساء الآتيات بتباشير الانعتاق من أزمنة تكبيلها «آتٍ» بإذن الله.