رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كلينتون والإخوان.. كشف المستور «1»


سيظل من أوجب واجباتنا، كمثقفين وطنيين، ألا نمل أو نكل من التذكير المُستمر بـ«الدور الوظيفى» الذى من أجله خُلقت جماعات التكفير والإرهاب التى تدّعى الانتساب للإسلام، وفى مقدمتها جماعة «الإخوان»، لخدمة المصالح الاستعمارية فى بلادنا والمنطقة والعالم، حتى لا يُخدع البعض، وبالذات من الأجيال الشابة، فى كلامهم المعسول ووعودهم البرّاقة، وحتى لا تنطلى على البعض ادعاءاتهم بالغيرة على مصالح الوطن وحقوق الشعب، وحتى نُدرك إجابة السؤال المُهم: لماذا يحمى الغرب بزعامة الولايات المتحدة، وتحت مُختلف حكوماته وإداراته، وتلاوينها المُتعددة، ويأوى هذه الجماعات ويشملها بالرعاية، ويبسط عليها عباءته، رغم يقينه من دورها التخريبى فى بلادنا، ومعرفته الدقيقة بأفكارها وتوجُّهاتها؟!
وقد أحيت الحاجة الماسة لاستمرار هذا الدور الثقافى الوطنى قرار الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، وفى سياق المُكايدة للحزب الديمقراطى، كَعَرَضٍ من أعراض المعركة الانتخابية الرئاسية، رفع السرِّية عن جميع الوثائق المُتعلِّقة بالتحقيقات الفيدرالية فى استخدام «هيلارى كلينتون»، وزيرة الخارجية الأمريكية، فترة ولاية الرئيس «باراك أوباما»، لجهاز خادم خاص لرسائل البريد الحكومية، حيث أُزيح الستار عن العديد من المعلومات المُهمة، التى تتناول فى جانب منها المشاورات والاتفاقات بين واشنطن والدوحة، فى تلك المرحلة، بخصوص دعم هذه الجماعات للوصول إلى السلطة فى بلادنا والمنطقة، تحقيقًا للأغراض الأمريكية المشبوهة، ولأهدافها الخبيثة، التى سعت وتسعى إليها دائمًا، فيما يخص أوطاننا واستقلال إرادتها وقرارها السياسى ومُقَدَّراتها وثرواتها.
ويُخطئ البعض إذ يتصور أن هذه العلاقة بين الطرفين: الدول الاستعمارية الكبرى من جهة، وجماعات الإرهاب الدينى و«الإخوان» فى مقدمتها، جديدة أو مُستحدثة، فالواقع أن عمر هذه العلاقات يربو على القرن، حينما شجَّع الاستعمار البريطانى لمصر التطرُّف الدينى فيها، بهدف تمزيق لُحمة الأمة، بعد أن تبدّت مظاهر وحدتها واجتماع إرادتها، إبان ثورة ١٩١٩ فى أروع تجلياتها.
ومن هنا كانت مساندته لهذه التوجُّهات ودعمه المادى الكبير لـ«حسن البنا» فى تشكيل «الجماعة»، تسهيلًا لدوره الخبيث، وتأسيسًا لواقع استمر فى البروز سنة بعد أخرى فى كل مرحلة كانت فيها الأمة تخوض معاركها المصيرية من أجل التحرُّر والاستقلال، كان صوت جماعة «الإخوان» وأشياعها يخرج مُلَوِّحًا بالانقسام وداعيًا للفتنة، ومُستنزفًا طاقة المجتمع وقواه الحيّة فيما لا يعود عليها إلا بالفرقة والخسران. ومع تراجع الدور البريطانى الدولى فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، وخاصه بعد فشل العدوان الثلاثى على مصر عام ١٩٥٦، سلَّمت بريطانيا راية زعامة الغرب الاستعمارى للقطب الصاعد الولايات المتحدة، وانتقلت إليه مهمة الإشراف على استمرار هذا الدور الوظيفى للجماعات المُتسترة خلف ستار الدين، وبالذات مع تَفَجُّر ما أصبح يُعرف بـ«الحرب الباردة»، التى استهدفت مواجهة الاتحاد السوفيتى، الذى خرج من الحرب عملاقًا يُخشى بأسه.
وقد عبّر «جون فوستر دالاس»، وزير خارجية أمريكا آنذاك، فى كتابه المعنون «حرب أم سلام» عن أهمية استخدام سلاح العقيدة الدينية لتأليب الشعوب التى تدين بالإسلام، وتنضوى تحت الراية السوفيتية، ومن هنا تدعَّمت العلاقة بين الطرفين أمريكا والدول والجماعات ذات التوجُّهات الدينية، كالمملكة السعودية وباكستان وغيرهما، وزاد من الأهمية الحيوية لهذه العلاقة بروز أهمية البترول الذى تدفقت أمواجه، بلا توقف، فى صحراوات الخليج ودولها الناشئة.
ولعلنا نسترجع، بهذه المناسبة، تصريحات الأمير «محمد بن سلمان»، لصحيفة «الواشنطن بوست» (٢٧ مارس ٢٠١٨)، التى أكَّدَ فيها أن «انتشار الفكر الوهابى فى بلاده (وامتداده خارجها، وفى مصر أساسًا بالطبع)، يعود إلى فترة الحرب الباردة، عندما طلبت دول حليفة من المملكة (معروف من هى دون إفصاح)، استخدام أموالها لمنع تقدُّم الاتحاد السوفيتى فى دول العالم الإسلامى».
وأشير، فى هذا السياق، إلى كتاب مُهم للغاية، يجدر بالمُهتمين الاطلاع عليه، للباحث البريطانى «مارك كيرتس»، صدر فى لندن عام ٢٠١٠، وترجمه ونشره بالعربية «المركز القومى للترجمة»، عام ٢٠١٢، وعنوانه: «التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين»، فهو يؤصل، بمئات التفاصيل المُستقاة من أرشيف المخابرات البريطانية ووزارة الخارجية وغيرها، للعلاقة الوثقى بين الطرفين، الدول الاستعمارية الكبرى من جانب، والأدوات الطيِّعة لها، كـجماعة «الإخوان» وأمثالها من جانب آخر، لإعاقة صعود المد القومى التحررى، وتزعُّم مصر «فترة عبدالناصر» لموجة المد التقدمى فى المناطق الخاضعة للاستعمار والاستغلال، والطموحة للتقدم والاستقلال، على نحو ما سنوضحه لاحقًا.