رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حسمنا معركة الوعى.. ولن نصالح



الأهم من تحذير الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمس، من محاولات التخريب والتدمير، التى تقوم بها القوى المعادية، هو تشديده على رفض الدولة المصرية أى مصالحات تسعى لها أو تريدها تلك القوى، التى ارتكبت جرائم دموية ضد أبناء الشعب، وتسعى إلى تدمير الدولة.
خلال الندوة التثقيفية الـ٣٢ للقوات المسلحة، التى أقيمت تحت عنوان «أكتوبر ٧٣.. رمز البقاء والنماء»، قال الرئيس إن وعى الشعب المصرى هو المستهدف من جانب هذه القوى. وعلى خلاف ما قد يعتقد البعض، نرى أن الرئيس كان محقًا حين أكد أن الشعب واعٍ ومدرك تمامًا كل المخططات التى تستهدفه، وقادر على إفشال كل محاولات التخريب.
بعد انتصارنا العظيم، فى أكتوبر ١٩٧٣، استمرت الحرب، بعد أن تغيرت أشكالها واختلفت أساليبها، وخضنا خلال العقدين الأخيرين «معركة وعى» عنيفة استهدفت تدمير ثقة الشعب بمؤسساته الوطنية، انتهت بهزيمة قاسية سرعان ما تجاوزناها، وحققنا نصرًا كبيرًا فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ استعادت به مصر عافيتها، واستردت دورها، الإقليمى والدولى، وحققت قفزات اقتصادية وتنموية. غير أن القوى المعادية لم تتوقف عن محاولة إشاعة اليأس والإحباط وإيهام الشعب بأن مؤسساته الوطنية هى العدو، وأن الأعداء الحقيقيين هم الحصن والملاذ، من خلال نشاطات سرية مطلقة، وأخرى علنية مطلقة، وما بينهما من نشاطات يتداخل فيها السرى بالعلنى.
استهداف الوعى، صار جزءًا أساسيًا فى استراتيجيات الحروب. والتاريخ ملىء بآلاف الأمثلة على حروب إعلامية ساخنة جدًا، شنتها أجهزة مخابرات دول طوال نصف القرن الماضى. ولو عدت، مثلًا، إلى دراسة أصدرها معهد أبحاث الأمن القومى فى تل أبيب، عن «استراتيجية الجيش الإسرائيلى»، سنة ٢٠١٨، ستعرف أن هذا العدو سعى إلى إنتاج «قدرة تأثير على بلورة الوعى» فى صفوف القوى الشعبية والسياسية، داخل الدول المعادية، للتأثير فى مواقفها وخياراتها، باعتبارها قدرات ناعمة، ترافق وتكمل مختلف الجهود الأخرى، الهجومية والدفاعية.
القوى المعادية، الدولية، الإقليمية، والمحلية، أدركت أن قواتنا المسلحة طورت قدراتها فى الردع والدفاع، فلجأت إلى خيارات موازية أو بديلة للمواجهة العسكرية، أبرزها استهداف «الوعى». وبتقييم ما شهدته هذه الساحة من جولات، يمكننا أن نقول، إننا حققنا انتصارات متتالية، فى معركة الوعى، أحبطت مساعى ورهانات القوى المعادية، وأظهرت أن هذا الشعب استطاع الدفاع عن حاضره ومستقبله، فى مواجهة الإخوان، ومحركيهم، الذين تفننوا فى ابتداع أشكال مختلفة، وغير مسبوقة، من حملات الأكاذيب والتضليل.
الهزائم المتتالية، السياسية، المخابراتية، والإعلامية، التى تلقتها القوى المعادية، فى جولات عديدة من الصراع المفتوح والمتواصل، جعلت تركيا، مثلًا، لا تجد ما تبيعه، تقايض عليه، أو تتفاوض بشأنه، غير عملائها، الهاربين من مصر، الذين استثمرت فيهم أموالًا ضخمة، بعد أن فشل نباحهم، أكاذيبهم، تحريضهم، فى هز شعرة لدى المصريين، شعبًا وحكومة ورئيسًا، ما جعل أردوغان أمام الخيار الآخر، الذى نصح به المثل القديم: «الإيد اللى ما تعرفش تعضها، بوسها».
لا شىء غير قيام تركيا بعرض هؤلاء العملاء فى الفاترينة، يبرر الإشارات المتكررة إلى استعدادها لتحسين العلاقات مع مصر، التى تصاعد مستوى طارحيها، من مذيعة محسوبة على أردوغان، إلى مستشار لأردوغان، إلى وزير خارجية أردوغان، ثم أردوغان نفسه. والثلاثة: ياسين أقطاى، مولود جاويش أوغلو، والرئيس التركى، لم يتوقفوا، خلال الشهور الماضية، عن إطلاق الإشارات، بأساليب تدرجت من التهديد إلى الاستجداء، إلى ادعاء وجود مباحثات بين مخابرات البلدين، لم تحدث ولن تحدث.
طلبات تركية عديدة، بهذا الشأن، رفضتها مصر. وحين أدرك أردوغان أن العملاء، الذين اعتقد أن بإمكانه المقايضة بهم، أو التفاوض بشأن تسليمهم، لا ثمن لهم، وأن مصر غير متمسكة باستعادتهم ولا يعنيها استمرار المنصات التى ينبحون فيها، ظهر وزير خارجيته على قناة «سى إن إن ترك»، ليتحدث عن مصر بنبرة سلبية. كما سبق أن عرضت العائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة، أيضًا، بيع عملائها، من جماعة الإخوان، مقابل إنهاء القرارات التأديبية التى اتخذتها دول الرباعى العربى الداعية لمكافحة الإرهاب. ولعل مرور سنة تقريبًا على هذا العرض، يكفى زيادة للتأكيد على أنه قوبل هذا العرض بالرفض، وعلى أن الدول الأربع ما زالت متمسكة بالشروط الـ١٣، وبمحاسبة العائلة الضالة عن جرائمها التى لن يسقط كثير منها بالتقادم.
الأطماع فى مصر لن تنتهى، والتهديدات، التحديات، أو المعارك، التى تغيرت طبيعتها، ستستمر. لكن ما حققته مصر خلال السنوات القليلة الماضية، يقطع بأننا حسمنا معركة الوعى، ونسير بخطى ثابتة نحو تحقيق الأمن وترسيخ الاستقرار. ولا يبقى غير أن نجدد العهد، كما جدده الرئيس، الثلاثاء الماضى، على مواصلة العمل من أجل صون كرامة هذا الوطن والمضى قدمًا فى طريق البناء، التنمية، التعمير، والسلام.