رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هزم كورونا.. وهزمته طالبان



الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، هزم فيروس «كورونا المستجد»، ويسعى إلى هزيمة منافسه الديمقراطى جو بايدن، فى الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها فى ٣ نوفمبر المقبل. لكنه أقر، ضمنيًا، بهزيمته على يد حركة طالبان، فى أطول حرب فى تاريخ الولايات المتّحدة، وأعلن أمس، الخميس، عن اعتزامه سحب آخر جندى أمريكى من أفغانستان بحلول عيد الميلاد، أى قبل ستة أشهر، من الموعد المحدّد فى اتفاق الدوحة، الذى وقعته واشنطن مع الحركة الإرهابية.
الفحص البدنى أظهر أن الرئيس دونالد ترامب تعافى من إصابته بفيروس كورونا المستجد، وقال شون كونلى، طبيب البيت البيض، فى بيان أصدره الأربعاء، إن الرئيس لم يعانِ الحمى منذ أكثر من أربعة أيام، ونقلت وكالة «رويترز» عن مساعدين لترامب أنه يتعجل العودة إلى مسار الحملة الانتخابية ويصر على مناظرة بايدن فى ١٥ أكتوبر الجارى. وأكد مستشاروه أنه يبحث عن خيارات بشأن كيفية إيصال رسالته وإيقاف تقدم منافسه، ومن مقر حجره الصحى، فى البيت الأبيض، شن ترامب، عبر سلسلة تغريدات، هجمات عنيفة على منتقديه، وأشار إلى أنه قام بتجميد مفاوضات مشروع الإنعاش الصحى إلى ما بعد الانتخابات، ثم طالب الكونجرس بتمرير حزمة من القرارات لدعم شركات الطيران والشركات الصغيرة التى تضررت من الوباء.
فى ٢٩ فبراير الماضى، شهدت العاصمة القطرية الدوحة، توقيع اتفاق بين إدارة ترامب وحركة طالبان نصّ على سحب القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول منتصف العام المقبل، مقابل التزامات أمنية من الحركة الإرهابية وانخراطها فى مفاوضات سلام مباشرة مع حكومة كابول، بدءًا من ١٠ مارس الماضى، تنتهى باقتسام السلطة، لكن تلك المفاوضات لم تبدأ إلا فى سبتمبر، ولم تسفر حتى اليوم عن أى اتفاق لوقف إطلاق النار أو حتى لخفض حدّة العنف، ومع ذلك، كتب ترامب فى حسابه على «تويتر»: «علينا أن نعيد العدد الصغير المتبقى من رجالنا ونسائنا الشجعان الذين ما زالوا يخدمون فى أفغانستان إلى الوطن بحلول عيد الميلاد».
منذ توقيع ذلك الاتفاق، الذى وصفوه بأنه «تاريخى»، لم تتوقف طالبان عن ادعاء انتصارها على الولايات المتحدة. وفى ٧ أغسطس الماضى، قالت وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون، إنها تقوم بتطبيق توجيهات البيت الأبيض حيال بدء سحب ٤ آلاف من أصل ٨ آلاف و٥٠٠ جندى من أفغانستان قبل نوفمبر المقبل. وقال روبرت لودفيك، المتحدث باسم البنتاجون، فى تصريحات، إن مراحل الانسحاب المتوقعة تتم بالتنسيق مع الكونجرس والدول الحليفة الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى، الناتو، وأعرب عن أمله فى تحقيق تقدم على مستوى خفض العنف وتحقيق المصالحة الوطنية، ولاحقًا، أعلن روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومى الأمريكى، أن عدد الجنود صار أقل من ٥ آلاف وسيصل إلى ألفين و٥٠٠ جندى بحلول العام المقبل.
اتفاق الدوحة، الذى يشكك فى جدية الحرب الأمريكية على الإرهاب، من الأساس، تضمن ملحقين سريين، لم يطلع عليهما إلا عدد محدود من أعضاء مجلسى النواب والشيوخ فى اجتماع انعقد بعد توقيع الاتفاق، وليس بعيدًا أو مستبعدًا أن يكون الملحقان قد تضمنا بنودًا لا منطقية تصب فى صالح طالبان، كذلك البند الذى تضمنه الاتفاق المُعلن ونص على التزام الحركة بمقاتلة الجماعات الإرهابية، متجاهلًا أن الحركة لا تزال، إلى الآن، ترفض قطع علاقاتها بتنظيم القاعدة، وما زالت فصائلهما تتعاونان فى بعض أنحاء البلاد، مع أن مبرر الغزو الأمريكى لأفغانستان، كان قيام الحركة بتوفير ملاذ آمن لذلك التنظيم، بعد اتهامه أو إعلانه مسئوليته عن هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، التى راح ضحيتها نحو ثلاثة آلاف أمريكى.
اتفاق الدوحة الهش، أو الاتفاق الأمريكى الطالبانى «التاريخى» المزعوم، لم يكن أكثر من ذريعة لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، وتسويق ذلك على أنه انتصار للرئيس ترامب، قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة. إذ كان قد تعهد، فى ٢٠١٦ خلال حملته الانتخابية السابقة، بإنهاء «الحروب السخيفة، التى لا نهاية لها»، الأمر الذى استغلته الحركة، التى حكمت أفغانستان بين عامى ١٩٩٦ و٢٠٠١ قبل أن يُطيح بها الغزو العسكرى الأمريكى، ففرضت شروطًا، تمكنها من استعادة سيطرتها على تلك الدولة، التى مزقها الإرهاب، ولا يزال.
ما خفى، أو ما تضمنه الملحقان السرّيان للاتفاق، قد يكون أعظم، خاصة بعد أن كشف الجنرال كينيث ماكينزى، قائد القيادة المركزية الأمريكية، عن وجود تعاون عسكرى بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، خلال الأشهر الأخيرة فى غرب أفغانستان. وغالبًا، سيكون الرئيس الأفغانى المقبل هو الملا عبدالغنى برادر، أحد مؤسسى الحركة، رئيس مكتبها السياسى فى الدوحة، الذى تحدث معه الرئيس ترامب، تليفونيًا لمدة ٣٥ دقيقة، فى سابقة لم تحدث من قبل بين رئيس للولايات المتحدة وقيادى فى الحركة الإرهابية.