رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى عدم قانونية إلغاء المجالس الملية القبطية


المجلس الملى العام بالقاهرة والمجالس الملية الفرعية ببقية الإيبارشيات انتهت مدتها فى شهر أبريل سنة 2011، ولم يتم إجراء أى انتخابات بعد ذلك!! لكن كنا نطالع فى الصحف اسم المجلس الملى العام فى التعازى الرسمية بالدولة وبعض بيانات الشجب أو التأييد!! على الرغم من أن المجالس أصلًا غير موجودة قانونيًا.
فكيف يصدر هذا المجلس- غير الموجود قانونيًا- بين الحين والآخر بيانات وتصريحات؟ وما يترتب عليها من عدم شرعية إصدار أى بيانات أو تصريحات بهذه الصفة، وانتحال صفة عضوية لكيان ليس لعضويته وجود قانونى فعّال سوى لقب؟ كما يذكر الصديق الكريم الأستاذ هانى لبيب بجريدة «المصرى اليوم» بتاريخ 13 أكتوبر 2018.
كيف يمكن إصدار بيانات مجهولة وبتوقيع سكرتير المجلس الملى العام دون ذكر اسمه، مع العلم أن آخر سكرتير للمجلس الملى العام المنتهية ولايته سنة 2011 هو سيادة المستشار إداورد غالب الموجود منذ سنوات عدة مع أولاده بالولايات المتحدة الأمريكية؟
ثم فوجئنا- منذ بضعة أسابيع- بتشكيل «مجلس فنى»!! يا للهول!! منذ متى الكنيسة بها مجالس فنية؟ وللأسف الشديد فإن بعض أعضاء هذا المجلس الفنى لهم قامة علمية وكنسية، أذكر منهم الصديق الكريم المهندس سمير نجيب قزمان. فكيف سمحوا لأنفسهم بالانخراط فى هذا المجلس؟ والشىء المؤسف أن أحد الأعضاء طبيب أسنان؟ ما معنى وجود طبيب أسنان بعضوية «مجلس فنى»؟ هل من يدير المجلس الفنى «كبير فنيين»؟.
المشكلة تكمُن فى أن الدور الحقيقى الذى يقوم به المجلس الملى، سواء العام أو الفرعى، غير معروف!! بل إن الدور الحقيقى للمجالس الملية اختفى من فكر رجال الكنيسة وخدامها وجميع الذين يعملون بها!! الشىء المحزن أن كلمة الصدق والحق اختفت من الأوساط الكنسية.
تحت يدى النسخة الخطية- بخط جندى يوسف القصبجى- فى تشكيل المجلس الملى عام 1874م، بعنوان «الروايات البهية فى إقامة المجالس القبطية»، وقد كانت ثلاث نسخ متماثلة إحداها عنده، والأخرى عند يعقوب بك نخلة رفيلة، والثالثة عند القمص فيلوثاؤس عوض، رئيس الكنيسة المرقسية بالأزبكية بالقاهرة، والتى آلت إلى المؤرخ جرجس فيلوثاؤس عوض ثم آلت إلى المؤرخ السكندرى د. منير شكرى «1908- 1990» وهى التى آلت إلى مكتبتى الخاصة بعد ذلك عن طريق نجله د. رشاد منير شكرى.
وفى عام 2004 قمت بتصوير نسخة منها وقدمتها إلى البابا شنودة الثالث أثناء توجهنا إلى قبرص على متن الخطوط الجوية القبرصية، جاء فيها ما يلى:
حدث فى ليلة عيد الميلاد المجيد الواقع يوم الثلاثاء 6 يناير 1874 أن اجتمع جندى أفندى يوسف ويعقوب أفندى نخلة وعزوز أفندى منقريوس البياضى وميخائيل أفندى الحبشى فى منزل برسوم أفندى جريس رفيلة، لأجل تعزيته على فقدان ابن أخته عبدالمسيح شنودة، وحصلت المداولة بينهم عن حالة فقراء الطائفة وما وصلوا إليه من الاضمحلال وعدم السؤال عنهم ممن يهمهم هذا الأمر، وكذلك عدم وجود بطريرك على الطائفة وزمامها بيد الأنبا مرقس، مطران البحيرة، الذى كان يشغل منصب وكيل بطريركية الإسكندرية، وذاك لا يهمه هذا الأمر مع كون كامل أوقاف الطائفة مخصص ريعها للصرف على هؤلاء المساكين كما تشهد بذلك حجج الوقفيات المُحررة بهم.
وبدلًا عن كون الريع يُصرف حسبما نص برغبة الواقفين، جرى تبديد بعضه بيد الرهبان وبعضه بيد الكهنة وهلم جرا، ولا أحد يعرف له حسابًا ولا يكون محصورًا ولا معلومًا.
وبعد المداولة فى هذا الأمر رسا الحال بينهم بأن يتحالفوا ويتعاهدوا مع بعضهم بأن يدافعوا عن حقوق هؤلاء المساكين لآخر نقطة دم من حياتهم، بحيث مهما صادفوه من المصاعب لا يؤخرهم ولا يرعبهم. فقاموا وصلوا لله، وتحالفوا مع بعض عن ثبوتهم واتحادهم بقلب واحد للمباشرة فى هذا المشروع الحسن.
وبعدها تداولوا فى الطرق التى يجب اتخاذها لنجاح هذا المشروع، وتبادلوا الأفكار بينهم، ورسا الحال على إعطاء اسم لهذه الجمعية أولًا، وأُعطى لها اسم «جمعية الإصلاح»- التى تحوّلت بعد ذلك إلى «مجلس ملى»- ثم من حيث أعمال هذه الجمعية تكون ظاهرة ومعلومة، فيكون لها نائب حتى إن احتاج الحال للمخابرة مع أحد يقدر يتخابر مع النائب بشرط ألا تصدر منه مكاتبة رسمية وغير رسمية ولا يعطى قولًا لأحد إلا باطلاع مؤسسى الجمعية.
وصار تعيين برسوم أفندى جريس نائبًا عنها. فهو الذى يمضى كامل المكاتبات. ولكون أعضاء هذه الجمعية قلائل تم استجلاب من يميل من أبناء الطائفة لهذا المشروع الحسن للانضمام فى سلك هذه الجمعية. ولأن ذلك يلزمه وقت طويل حتى يتجمع جمع غفير ومقصدنا عدم الانتظار تم تحرير إعلانات لكل نظار الأوقاف ولحضرة الأنبا مرقس، وكيل البطريركية مضمونها: «أن جمعية الإصلاح اعتمدت على حصر إيرادات الأوقاف الساكن فيها أعضاء الجمعية المذكورة وصرفها للفقراء حسبما هو مدون بالحجج المحررة بالوقفية، ويجرى توزيعها فى آن واحد فى العيد».
ومن الإجراءات الإصلاحية التى اتخذها الأعضاء الغيورون على أحوال أبناء طائفتهم هو إصلاح أحوال الفقراء الذين اضمحل حالهم ومعلوم أمرهم للعموم، فقرروا تحصيل أجر الأوقاف القاطن فيها جم غفير من أعضاء الجمعية بما أن والديهم أوقفوا هذه الأماكن لمعاش فقراء الطائفة، وتشهد لهم بذلك حجج الوقفية.
وفى أحد الاجتماعات قال يعقوب أفندى نخلة: إن الجمعية تشكلت من نحو 400 نفس من الطائفة التى كل فرد منها له الحق فى أن يطلب إصلاح شئون الفقراء الذين اضمحل حالهم، لأن جدودنا أوقفوا لهم أملاكًا وعقارات لسد احتياجاتهم ومعيشتهم. أين هذا الفكر الراقى نحو إخوتنا الفقراء عند رجال الدين؟ لقد شاهدنا محبة الأبوين البابا كيرلس السادس والبابا شنودة الثالث وحنوهما على الفقراء؟
من العجيب أن يكون للعلمانيين «أى ليسوا من رجال الدين» رحمة وشفقة على الفقراء والمحتاجين أكثر من رجال الدين أنفسهم!! وهنا أذكر الواقعة الآتية التى حدثت فى أيامنا هذه:
أحد أساتذة التربية وعلم النفس الأستاذ الدكتور سليمان نسيم «1923- 1998» يذكر أنه فى إحدى ليالى عيد الميلاد المجيد كان متوجهًا لحضور الصلاة بكنيسة مار جرجس- جزيرة بدران.
وفى أثناء توجهه إلى الكنيسة وجد رجلًا فقيرًا من أبناء الكنيسة يعبث بأحد صناديق القمامة، فاقترب منه وسأله ماذا يفعل؟ فأجابه بأنه يبحث عن بعض الطعام لأنه ليس لديه ما يأكله بعد صلاة العيد!! حزن جدًا د. سليمان على كل ما سمعه، وسأل الرجل عن مكان سكنه الذى يقيم به. توجه إلى الكنيسة للصلاة لكن فكره كان مشغولًا بحال هذا الرجل الفقير. وبعد انتهاء الصلاة عاد إلى منزله لتناول الطعام مع زوجته وأولاده. لكنه امتنع عن تناول الطعام تمامًا!! وعندما استفسر منه أفراد أسرته عن سبب إحجامه عن الأكل؟ ذكر لهم قصة هذا الرجل الفقير. فسألوه وماذا نفعل؟ فقال لهم: أن نبعث للرجل بطبق أكل من جميع أنواع الأطعمة التى نتناولها. وفعلًا أعدوا طبقًا للرجل المحتاج وذهبوا به إلى حيث يسكن. وبعد أن عادوا بدأ د. سليمان نسيم يتناول مع أفراد أسرته الطعام، وقال لهم: الآن قد أفرحنا قلب الطفل «مولود بيت لحم» الذى نحتفل بعيد ميلاده الآن.
الحب الحقيقى نحو المحتاجين أفضل من المشروعات الفنية التى يبحثون عنها، فالله يريد رحمة لا مشروعات فنية.