رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«العشيق» الذى لا يُغتفر للمرأة الذهاب إلى مخدعه


رجل تفوح منه رائحة العرق أو رجل تفوح منه أرقى العطور، رجل عالى المقام أو رجل صعلوك، رجل على باب الله أو رجل مشهور، رجل يحب رابطات العنق المستوردة أو رجل «اسبور»، رجل وسيم ورشيق أو رجل خاصمته الوسامة والرشاقة، رجل إلى كل الأجواء يسافر أو رجل كامن فى عقر داره، رجل يعشق الكونشرتو والسيمفونية والسوناتا فى الموسيقى الغربية أو رجل يعشق الطقطوقة والدور والمونولوج فى الموسيقى العربية، رجل يقرأ الكتب أو رجل يقرأ صفحة الوفيات، رجل موهوب أو رجل معدوم الموهبة، رجل يحب السجائر أو رجل ضد التدخين، رجل مُتْخَم بالخبرات أو رجل نحيل التجربة، عيون زرقاء أو سوداء أو عيون بلون العسل، رجل بداية القرن الخامس عشر أو رجل نهايات القرن الواحد والعشرين..
يتعدد الرجال والقلب واحد.. كل الرجال رجل واحد، الجميع يفضلونها خاضعة، الرجل المحب والمرأة الحرة أمران لا يجتمعان.
وكلما زاد نصيب المرأة من الحرية كلما أسرعت خطوات الرجل فى الهروب منها وكأنها «فيروس» خطير أشد فتكًا من فيروس «كورونا».
إن العجز الحقيقى للرجل ليس فى نقصان القدرة الجنسية، ولكن فى عدم القدرة على حب امرأة حرة التفكير والإرادة والمصير، وفى العجز عن إقامة علاقة مع امرأة ندّ له أو تفوقه، إنه عجز لا تنفع معه أقراص كتلك التى تعالج العجز الجنسى.
إنه عجز تتوارثه الأجيال المتعاقبة من الرجال ليصبح مثل «الجينات»، وأصبح مرادفًا لمعنى «الرجولة»، فالرجل الحق هو الذى يرى المرأة الحرة «زائدة» وجودية من الواجب استئصالها، و«الرجولة» الكاملة هى النفور من النساء الأحرار والتنديد بهن ومحاصرتهن بالشكوك والاتهامات.
قد يحدث فى بعض الأحيان أن تتحرك مشاعر الرجل لامرأة لا تخضع له فى الفلوس أو الرأى، ولكنه حين يقرر أن يكمل نصف دينه يذهب إلى امرأة له عليها الكلمة العليا، سواء فى الفلوس أو الرأى، ويستحسن بالطبع خضوعها فى الاثنين.
لا يستطيع الرجل أن يتصور كيف يكمل نصف دينه مع امرأة غير قابلة للطاعة، أو كيف يواجه على الملأ مجتمع الرجال بامرأة ضد مجتمع الرجال.
إن تعريف الزواج للرجل هو كيف يعثر على امرأة «مريحة» لا تثير تساؤلات أو مشاكل، امرأة مغمضة العينين ومغمضة الكرامة ومغمضة الوعى ومغمضة الجسد.
أما المرأة الحرة التى تعول نفسها وتعول كرامتها فهى «وجع دماغ» يزيد الحياة تعقيدًا وصخبًا لا داعى لهما.
وإذا ألحّت مشاعر الرجل وطالبت بالمرأة الحرة فإنه يساومها إما هو أو حريتها، ويشترط عليها إما أن تكون له أو أن تكون لحريتها.
قد يغفر الرجل للمرأة الخيانة والذهاب إلى رجل آخر- الطامة الكبرى فى عُرف الأخلاق الذكورية- لكنه لا يغفر لها الذهاب إلى مخدع «الحرية».
فالحرية للمرأة هى «العشيق» الذى لا يحتمله الرجال، وهى الخطيئة غير القابلة للغفران.
إذا اختارت المرأة أن تمد يدها وتقطف الثمرة المحرمة واسمها «الحرية»، فما عليها إلا أن تدفع راضية الثمن وتعيش فى استغناء عن الرجل المحب.
يعود جزء كبير من بقاء وضع المرأة دون تغير كيفى، أو ما نشهده من انتكاسات متكررة، إلى تراجع منْ يسمين أنفسهن نساء أحرارًا أو المحسوبات على ذمة الحرية عن دفع ثمن الحرية.
عند أول فرصة يظهر فيها الرجل فإنهن يقبلن دخول المزاد والمساومة، وينتهى بهن الأمر إلى الخضوع لشروطه فى الحب أو فى الزواج.
والغريب أنهن يزددن إصرارًا على أنهن على درب التحرر ولا يتوقفن عن إسداء النصائح لغيرهن من النساء، والأكثر غرابة أنهن يبدأن فى معاداة النساء الصامدات، والهجوم على أفكارهن وتصرفاتهن، ووصفهن بالتطرف أو الشذوذ أو الفهم الخاطئ للحرية ومعطيات الواقع.
وبذلك تتشكل «جبهة تضامن» من رجال يكرهون حرية المرأة مع مدّعيات الحرية من النساء ضد كل امرأة لا تتنازل عن حريتها مقابل «رجل».. المرأة الحرة والرجل المحب نار وماء، لا سبيل إلى التقائهما.
استثناء هى المرأة التى تدفع فى كبرياء وشموخ ضريبة الحرية وتتحمل البقاء نارًا متأججة، استثناء هى المرأة التى تكمل نصف دينها مع الحرية، وتظل منتجة عاملة مبدعة متألقة ومتفلسفة.
إنها لبطولة صامتة أن تسبح المرأة المكتفية بحريتها ضد التيار دون أن تتشكك فى قواها على المقاومة والوصول شامخة إلى شاطئ التفرد.
ماذا يفيد المرأة لو كسبت حب العالم وخسرت نفسها؟ ماذا ينفع المرأة لو ربحت «رجلًا» يموت وخسرت الحرية أبدًا لها الدوام والخلود؟