رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشيخ أحمد الدردير.. سليم الباطن مهذب النفس



الشيخ أحمد الدردير، أحد أبرز الفقهاء من أهل السُنة والجماعة وصوفى مشهور، له مؤلفات عديدة فى التصوف واللغة والفقه وعلم الكلام. هو أحمد بن أحمد بن أبى حامد العَدوى المالكى الأزهرى الخَلْوَتِى، الشهير بأحمد الدردير، ولد بقرية بنى عدى التى تسكنها قبيلة بنى عدى القرشية فى أسيوط بصعيد مصر سنة ١٧١٥م، وينتهى نسبه إلى عمر بن الخطاب. وقد لقب بـ«الدردير»؛ لأن قبيلة من العرب نزلت ببنى عدى، وكان كبيرهم رجل من أهل العلم والفضل يدعى الدردير، فلُقِّبَ الشيخ أحمد به تفاؤلًا.
حفظ القرآن وجوَّده، وحُبِّب إليه طلب العلم، فقدم الجامع الأزهر وحضر دروس العلماء الأجلاء. أخذ العلوم عن الشيخ الصعيدى ولازمه وانتفع به، وأخذ عن الشيخ أحمد الصباغ، وأخذ عن الملوى والحفنى، وأخذ طريق أهل التصوف عنه، وصار من أكابر أهل التصوف فى الطريقة الخلوتية.
وقد أخذ الشيخ الدردير عن جملة من الأعلام المبرزين: سمع الحديث المسلسل بالأَوَّلِية عن الشيخ محمد الدفراوى بشرطه، وأخذ علوم الحديث عن الشيخ أحمد الصَّباغ، وتلقى الفقه على يد الشيخ على الصعيدى العَدوى، ولازَمه فى كل دروسه حتى ظهرت نجابته ونباهته، وأخذ طريق التصوف وعلومه على يد الشيخ شمس الدين الحفنى وبه تخرّج فى طريق القوم، فَتلقّن الذكر وطريقة الخلوتية منه حتى صار من أكبر خلفائه، حضر دروس الشيخين الملّوِى والجَوْهرى وغيرهما.
أخذ عن الشيخ الدردير كثرة من العلماء الأجلاء وانتفعوا بعلومه، منهم: الشيخ شمس الدين أبوعبدالله محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقى، أبوالخيرات مصطفى العقباوى الذى أكمل شرح أقرب المسالك، أبوالعباس أحمد بن محمد الصاوى، أبوالفلاح صالح بن محمد بن صالح السباعى، أبوالربيع سليمان بن محمد الفيومى.
من مؤلفاته: شرح مختصر خليل الذى هو عمدة الفقه المالكى، أورد فيه خلاصة ما ذكره الأجهورى والزرقانى، واقتصر فيه على الراجح من الأقوال، أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك. متن فى فقه المالكية فرغ من تأليفه سنة ١١٩٣هـ، وطبع بالقاهرة عام ١٣٢١هـ، ثم تعددت طبعاته بعد ذلك، الشرح الصغير على أقرب المسالك. ثم أكمله تلميذه الشيخ مصطفى العقباوى، وهذا الشرح هو الذى أقرّه جميع المالكية فى الفتوى، وعليه مشهور المذهب المالكى والأقوال المعتمدة فيه، واعتمده الشيوخ فى تلقين المذهب للطلاب، وفى الفتاوى على مذهب الإمام مالك، وقد طبع فى بولاق بالقاهرة سنة ١٢٨١هـ، نظم الخريدة السّنِيَّة فى العقيدة السُّنيَّة. فى علم التوحيد على مذهب الأشاعرة، وشرحها كذلك، تحفة الإخوان فى آداب أهل العرفان فى التصوف، شرح على ورد الأذكار للشيخ كريم الدين الخلوتى، شرح مقدمة نظم التوحيد للسيد محمد كمال البكرى، رسالة فى المعانى والبيان. فى علوم البلاغة، رسالة أفرد فيها طريق حفص فى القراءات، رسالة فى شرح قول الوفائية «يا مولاى يا واحد يا مولاى يا دائم يا علىّ يا حكيم»، شرح على رسالة الشيخ البيلى فى مسألة «كل صلاة بطلت على الإمام بطلت على المأموم»، شرح على منظومة للشيخ أحمد البيلى فى المستثنيات، شرح على رسالة فى التوحيد من كلام العلاّمة الدمرداش، رسالة فى الاستعارات الثلاث، شرحٌ على آداب البحث والتأليف، شرحٌ على الشمائل المحمدية ولم يتمه، رسالة فى صلوات شريفة اسمها «المورد البارق فى الصلاة على أفضل الخلائق»، التوجه الأَسْنَى بنظم الأسماء الحسنى. وتسمى «منظومة الدردير» أو منظومة الأسماء الحسنى للدردير، مجموعٌ ذكر فيه أسانيد الشيوخ الذين أخذ عنهم العلم، شرح على رسالة قاضى مصر عبدالله أفندى فى قوله تعالى «يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ» الآية، رسالة فى متشابهات القرآن، رسالة تحفة السير والسلوك إلى ملك الملوك، العقد الفريد فى إيضاح السؤال عن التوحيد، متن الخريدة البهية فى علم التوحيد، المورد البارق فى الصلاة على أفضل الخلائق، التوحيد الأسنى بنظم الأسماء الحسنى، تحفة السير والسلوك إلى ملك الملوك.
لقب الدردير بشيخ أهل الإسلام وبركة الأنام لتفوقه فى الفنون العقلية والنقلية، وقد كان صوفيًا زاهدًا، قوَّالًا للحق، زجارًا للخلق عن المنكرات والمعاصى، لا يهاب واليًا ولا سلطانًا ولا وجيهًا من الناس، وكان سليم الباطن مهذب النفس كريم الأخلاق، ولما توفى الشيخ على الصعيدى تم تعيينه شيخًا على المالكية، وفقيهًا وناظرًا على «وَقْفِ الصعايدة»، بل وشيخًا على «رواق الصعايدة» بالأزهر، فكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كلًا من الراعى والرعية، ولا تأخذه فى الله لومة لائم وله فى السعى على الخير يد بيضاء.
ومن أشهر مواقفه المشهودة التى تواتر الخبر بها موقفه مع أحد الولاة العثمانيين الذى أراد فور تعيينه أن يكون الأزهر هو أول مكان يزوره حتى يستميل المشايخ لعلمه بقدرتهم على تحريك ثورة الجماهير فى أى وقت شاءوا وعند حدوث أول مظلمة، فلمَّا دخل ورأى الإمام الدردير جالسًا مادًّا قدميه فى الجامع الأزهر وهو يقرأ وردَهُ من القرآن غضب؛ لأنه لم يقم لاستقباله والترحيب به، وقام أحد حاشيته بتهدئة خاطره بأن قال له: إنه مسكين ضعيف العقل ولا يفهم إلا فى كتبه يا مولانا الوالى. فأرسل إليه الوالى صرة نقود مع أحد الأرقاء فرفض الشيخ الدردير قبولها، وقال للعبد: «قل لسيدك من مدَّ رجليه فلا يمكن له أن يَمُدَّ يديه»، فكان الشيخ قدوة فى الحال والمقال.
تَعَلّل أيامًا ولزم الفراش مدة حتى توفى يوم ٢٧ ديسمبر سنة ١٧٨٦م، وقد صُلى عليه بالجامع الأزهر فى مشهد عظيم حافل، ودفن بزاويته التى أنشأها بجوار ضريح يحيى بن عقب، وهو مسجد الآن.