رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في يومها العالمي.. حكاية صاحب «اللاطمأنينة» مع القهوة

تمثال بيسوا في مقهي
تمثال بيسوا في مقهي "المرأة البرازيلية" في العاصمة البرتغالي

أُريد رائحة القهوة، لا أريد غير رائحة القهوة، ولا أريد من الأيام كلها غير رائحة القهوة، رائحة القهوة لأتماسك، لأقف على قدمىّ، لأتحول من زاحف إلى كائن، لأوقف حصتى من هذا الفجر على قدميه، لنمضى معًا، أنا وهذا النهار، إلى الشارع بحثًا عن مكانٍ آخر، هكذا كتب الشاعر الراحل محمود درويش مطولته عن القهوة التي يحتفل العالم بيومها العالمي.

وفي كتاب "قهوة نامة.. مرويات القهوة والنور" والذي أصدرت منه دار الكرمة للنشر٬ طبعة خاصة بمصر وشمال أفريقيا٬ يقدم مؤلفه عبد الله الناصر٬ تقصي لعالم القهوة٬ سواء تاريخ هذا المشروب السحري٬ ومدى انتشاره في العالم زمنيا٬ أدوات وطرق تقديمه٬ أو حتى دوره في الحروب٬ كالحرب الأهلية الأمريكية.

يحكي "الناصر" عن أنطونيو فرناندو بيسوا وعاداته في تناول القهوة٬ وكيف كان من عشاقها٬ يجلس في طاولته المعتادة كل يوم ليقابل زملائه الكتاب٬ يدخن يقرأ ويكتب ويلتهم فناجين قهوة "البيكا" البرتغالية المحلاة٬وهي قهوة قوية تشبه الإسبرسو لكنها أكثر خفة وأفتح لونا من نظيرتها الإيطالية.

كان مقهي "بيسوا" المفضل يحمل اسم "المرأة البرازيلية" في العاصمة البرتغالية لشبونة٬ وبين أركانه كتب بيسوا كثيرا من كتبه وكتب أقرانه الذين اخترعهم وخلقهم٬ وقد ذكر بيسوا أنه كتب جزءا كبيرا من مقاطع كتابه "اللاطمأنينة" في هذا المقهى مستخدما قلم رصاص غير مبري وورق ساندوتشات أبيض حصل عليه من المقهى.

في ذات الكتاب "اللاطمأنينة" يقول بيسوا: أنا اليوم متنسك في ديانتي الخاصة حسبي فنجان قهوة"، وفي موضع آخر يلخص أمنياته وهو يتأمل العابرين في الشارع، "فنجان قهوة٬ وتبغ٬ وأحلامي، كل ما أريده من الحياة". إن المقهى بالنسبة للشاعر يتيم الأب هو الصديق والبيت ومكتب العمل وقبلة الحياة.

تشبه القهوة في غموضها وتعدد أوجهها وسلالاتها حقيبة "بيسوا" الغامضة التي عثر عليها بعد موته بسنوات وتضم قرابة ثلاثين ألف مستند مجهول بخط بيسوا، في كل عام يكتشف مؤرخو الأدب اسما جديدا لأحد قرناء أو أقنعة بيسوا الذين كان يخترعهم حتى قارب عددهم الثمانين كاتبا أو قناعا٬ وفي كل عام يكتشف أحد أولياء القهوة توقيعا سريا جديدا لحبوب القهوة.