رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر والسودان


وأنا أشاهد برنامج «صباح الخير يا مصر»، الأسبوع الماضى، لفت نظرى فيديو يعرض إقلاع طائرات مصرية عملاقة تحمل مساعدات للسودان، لتضرره من فيضانات عاتية أغرقت قراه ومدنه.

وتذكرتُ على الفور تاريخًا طويلًا من العلاقات المصرية السودانية، وهو التاريخ الذى لا يمكن أن يضيع، وإن كانت أحداثه تبهت قليلًا عندما تتغير أيديولوجية البلدين ونظام الحكم. قفز فى ذهنى مؤتمر قمة الخرطوم بعد هزيمة ١٩٦٧، وأحسسنا وقتها، كمصريين، كيف مسح هذا المؤتمر دمعة نزلت من عيون الزعيم عبدالناصر. كما مرت بذهنى كلمات السادات والحديث عن وحدة عربية أبطالها السادات ونميرى والقذافى وحافظ الأسد، وقتها كانت وحدة لا يغلبها غلاب.
ثم محاولة الانقلاب الشيوعى على النميرى ومساعدة مصر له، ورأيت فى خيالى صورة للنميرى فى جنازة الرئيس السادات، وقتها كان هو الزعيم العربى الوحيد الذى حضر جنازة السادات، بينما حضرها كل الرؤساء الأمريكان وزعماء أوروبا.
ثم جاء على بالى الجنرال سوار الذهب، وزهده فى السلطة وتسليمها للصادق المهدى، زعيم حزب الأمة، الذى لم يكن يحب مصر، مع أنه كان يزورها كثيرًا ويتحدث لمثقفيها، إلى أن جاء البشير بعباءته وجلبابه عام ١٩٨٩، واستبشرنا خيرًا من السودان، ولكن سرعان ما انقلب علينا بوجهه القبيح، وإن كان يغازلنا من آن لآخر بأفكار نظرية عن استراتيجية زراعية بين البلدين، وقلنا إن مساحات أراضى السودان الشاسعة ستحل المشكلة الغذائية التى تعانى منها مصر، وتشجع بعض رجال الأعمال الذين ذهبوا بالفعل للزراعة هناك، فى نفس المشاريع والمناطق التى كان يستثمر فيها زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن والذى أقام فى السودان، ثم انقطعت أخبار تلك المشاريع تمامًا، ثم اختفى أثرها تمامًا فى أعقاب المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس حسنى مبارك فى أديس أبابا.
وقتها، وفى أول تصريح للرئيس مبارك فور نزوله من الطائرة، أشار صراحة إلى سودانيين، وسرعان ما أظهرت التحريات والتحقيقات اشتراك نائب الرئيس السودانى عمر حسن البشير ونائبه على عثمان طه والدكتور حسن الترابى فى تدبير تلك المحاولة الفاشلة، ونفى الرئيس السودانى البشير ونائبه، والدكتور الترابى تدبير السودان لهذه المحاولة.
كان البشير والترابى، فى مجالسهما الخاصة مع الصحفيين، ينفيان هذه الادعاءات ويقولان إنها باطلة، اعتمادًا على أن الرئيس مبارك له أعداء كثر، ولهم مصلحة فى اختفائه، وفى مقدمة الأعداء إسرائيل، ولم يعلم البشير أنه إذا غاب مبارك، سيكون الإسلاميون هم الأقرب إلى الحكم فى مصر، سيما وأنهم يملكون، بالحسابات الحقيقية لدى الحركة الإسلامية فى السودان، غالبية الشارع المصرى والعديد من النقابات المهنية المؤثرة.
وذرًا للرماد، قام البشير بتشكيل لجنة تحقيق برئاسة المهندس على البشير، الذى تم اغتياله عندما بدأ التحقيق يقترب من الرءوس الكبيرة.
قبل اغتياله بعشرة أيام تلقى الشهيد العرض الأخير من صلاح قوش، مدير المخابرات السودانية شخصيًا، ليختار الرتبة العسكرية التى يريدها والمكان الذى يريد أن يعمل فيه.
كانت واقعة محاولة اغتيال مبارك وبالًا على السودان؛ حيث تم إدراج السودان على قوائم الدول الداعمة للإرهاب، وعانى من العقوبات المفروضة عليه، تم تقديم البشير للمحاكمة الجنائية الدولية التى طالبت بالقبض عليه، وبعد ثورة السودان فى العام الماضى، بدأ القادة الجدد فى محاولة محو اسم السودان من القوائم الدولية السوداء، فغازل السودان إسرائيل، وأعلن أنه فصل الدين عن الدولة، فى محاولة منه لشطب كل الآثار المترتبة على حكم البشير، فضلًا عن محاكمته جنائيًا، وقالت الحكومة السودانية إنها تدرس تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته كمجرم حرب بتهمة الإبادة الجماعية.