رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إبراهيم فرغلي: سنعرف حقيقة جمال عبد الناصر حين ندرس زمنه بحياد

إبراهيم فرغلي
إبراهيم فرغلي

قال الروائي إبراهيم فرغلي: للأسف الشديد، نحن لم نقرأ تاريخنا بعد. لدينا رغبة شديدة في اختزال كل شيء في كلمة، أو صورة، أو نمط. ولهذا نحتفظ بصور ‏مشوشة عن تاريخنا، صورة ملونة بإيديولوجيات متوارثة، الإقطاعيون لا يحبون عبد الناصر لأنه جردهم من ممتلكاتهم، الإخوان ‏يكفرون عبد الناصر لأنه اعتقلهم، المثقفون الذين تعرضوا للاعتقال يصفونه بالديكتاتورية، والفلاحون يرونه الرجل الذي رفع رأسهم ‏عاليا، والعمال آمنوا بأنهم قوى عاملة قادرون على جعل شعار صنع في مصر شعارا حقيقيا، والقوميون في العالم العربي يرونه رجلا ‏استثنائيا وزعيما قوميا، وكثر يرون أن النكسة كفيلة بهزيمة الرجل ومحو اسمه من سجل التاريخ، أو أنه ورط مصر في حرب اليمن، ‏وهكذا، لا توجد صورة واحدة لعبد الناصر، ومع ذلك فقليلون جدا أولئك الذين حاولوا التجرد، والابتعاد عن تأمل الرجل من زاوية ‏نفعية أو قبلية أو إيديولوجية، وتأمل صور الرجل العديدة للاقتراب من الحقيقة. ‏

ولعل هذا أيضا أحد أسرار قوة استمرار ذكراه إلى اليوم، لدرجة أن كثرا من قراء التاريخ بالهوى والعواطف يحيلون نصف مشاكل ‏مصر المستمرة للآن إليه، رغم أنه مات قبل 50 عاما كاملة! ‏

تابع مضيفا في تصريحات خاصة لــ"الدستور": في تقديري الشخصي أن أي قراءة للتاريخ تغفل السياق الذي يراد تأمله هي قراءة عمياء ومغرضة وغير نزيهة، لأننا في الحقيقة لدينا ‏شواهد على ما أنجزه عبد الناصر في مجالات الصناعة واستصلاح الأراضي وتعليم الفقراء، ووضع مصر على خارطة العالم كدولة ‏تقود دول عدم الانحياز، ولا أعتقد أن ذنب عبد الناصر أن من جاءوا بعده لم يدركوا أن مشروعاته تأسيسية نقلت مصر من زمن إلى ‏آخر، أما صيانة تلك المشروعات وتجويدها وتطويرها وفق التغيرات، فكانت تحتاج لرؤى جديدة لم تتوفر لديهم. ‏

‏ ولا يمكن تأمل رجل مثله من زاوية واحدة، لأن التاريخ لا ينظر إليه أيضا بهذا الشكل، وهذا أيضا في تقديري سبب من أسباب عدم ‏التعلم من التاريخ لأننا لا نقرأه بل نلبسه أزياء من أهوائنا نحن. ‏

إن كان لعبد الناصر سلبيات فكان على من يأتي بعده إصلاحها أو تجاوزها والبناء على إيجابياته، لكن لم يحدث ذلك. مع ذلك فقد بقيت ‏الكثير من مشروعاته صلبة وقوية ودالة على بعد نظره وبينها مشروع السد العالي الذي نرى اليوم أهميته بعد كل تلك العقود كما لم ‏نعرفها من قبل.

ولعلنا أيضا ندرك في استبعاده فكرة الدولة الدينية من حساباته دلالة أخرى على بعد النظر ونحن نرى ما فعلته تجارب ‏الدول الفاشية التي توسلت بالدين مثل إيران أو باكستان أو حتى التي أتاحت لمليشيات مسلحة أن تسيطر عليها في أكثر من دولة ‏عربية. ‏

نعم ربما كان ديكتاتورا، في زمن لم تكن الديمقراطية قد توطدت كثيرا في العالم، ولعله وثق في ضعاف النفوس من أصدقائه الذين ‏غدروا به وأطاحوا به، ولعله أساء التقدير في بعض الحروب التي خاضها، لكنه أيضا أعاد للمصريين كرامتهم، واستعاد سيطرة مصر ‏على ثروتها، وقاد حركة دولية ضد الاستعمار، وعرفت مصر في زمنه ثورة القوة الناعمة ليس عبر الإنتاج الثقافي داخل مصر فقط ‏بل خارجها، حيث صدرت مصر الفن والثقافة لكل العالم العربي، ولإفريقيا، وجعل من الأزهر منبرا يدرس فيه طلبة من العالم، ‏وذاعت شهرة قراء القرآن المصريين في ربوع آسيا وإفريقيا. ‏

سنعرف حقيقة عبد الناصر حين ندرس زمنه بحياد ووعي وضمير يقظ، فلا نغفل ما أنجزه ولا نمدح ما كان من الأخطاء أو الخطايا، ‏وحين نتوقف عن تحميله آثام الآخرين وأحيانا آثام وشرور أنفسنا. ‏