رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكرى ميلاده.. «اللصوص» رواية «فوكنر» المنشورة بعد موته

فوكنر
فوكنر

يقول ماركيز: «إذا كانت رواياتي جيدة، فذلك لسبب واحد هو أنني حاولت أن أتجاوز فوكنر في كتابة ما هو مستحيل، وتقديم عوالم وانفعالات يستحيل أن تقدمها الكتابة والكلمات مثله، ولكن لم أستطع أن أتجاوز فوكنر أبدًا، إلا أنني اقتربت منه»، هكذا قال ماركيز عن فوكنر؛ ربما لأنه كان يعتبره القدوة أو ربما لأنهما من أمريكا اللاتينية.

والحقيقة أن فوكنر الحاصل على نوبل 1949، كان بارعًا في القدرة على تنوع الشخوص في كتاباته والغوص في مكنوناتها، وأعتقد أن ذلك يرجع إلى قدرته الشديدة على التخيل مما أهله لأن يكتب السيناريو في هوليود، ولأننا في الخامس والعشرين من سبتمبر وهو يوم مولده اخترنا روايته الأخيرة (اللصوص) التي نشرت بعد وفاته ١٩٦٢، وهي تحكي عن شرائح مجتمع مختلفة في منطقة المسيسيبي.

بطل الرواية هو طفل يعمل يوم السبت لدى والده وجده الأثرياء الذين يملكون إسطبلات للخيول، كما أن جده الملقب بالريس كان مديرًا لأحد البنوك، وأما خادما جده فهما بون المندفع المتهور وند الرصين، يتطرق فوكنر إلى الثورة الصناعية كما فعل ديستوفيسكى وتشيخوف وكافكا في أغلب أعمالهم، فجلهم لم يتعاطفون مع الماكينه وتدثروا بعباءة البساطة.

والثورة الصناعية هنا تمثلت في السيارة التي كانت محور أحداث الرواية، حيث اشترى الريس وهو جد الطفل سيارة ليس حبًا في السيارات بل نكاية في غريمه مدير البنك المنافس، وكانت زوجة الجديد تميل إلى ركوب الحنطور في إشارة إلى عدم الرغبة في الماكينات والتروس، وبغض رائحة البنزين، تتطور الأحداث حيث يتعلم ند وبون سياقة السيارة فيذهب معهما الطفل إلى ممفيس، وهناك يلتقيا بالغانيات اللواتي قررت اعتزال الدعارة، مما جعل الطفل يتعاطف معهمن.

وفي ممفيس قرر ند الرزين الهادئ أن يكون مجنونًا فرهن سيارة الجد مقابل فرس ليدخل به السباق رغم أن الفرس ذاته قد خسر في العام الماضي، يطيل فوكنر في محاولة تعليم الحصان ودسه عن الشرطة حتى يأتي يوم السباق فيستطيع الطفل الصغير أن يسبق غريمه، وفي هذا إشاره إلى أن الحصان أفضل من السيارة، وأن الحياة البسيطية أفضل من الحياة المعقدة المليئة بالأرقام الخشنة التي لا تعترف بالعواطف والمشاعر.

في الرواية عدة مستويات اجتماعية، بل وهناك تباين في الأعمار والأفكار، ربما لهذا قال ماركيز حاولت أن أتجاوز فوكنر فيما هو مستحيل.