رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المواطنة والهوية


- كان قرار الإجهاز على العشوائيات وبناء البديل الحضارى وتسكين أهاليها بنجاح.. «مواطنة».
- أن يتضمن دستور ٢٠١٤ كفالة حقوق «المواطنة» فى دولة حكومتها مدنية.. «مواطنة».
- فى إصدار وتفعيل قانون «التأمين الصحى» وبداية التطبيق التجريبى.. «مواطنة».
- فى مطالبة الرئيس السيسى بإصلاح الخطاب الدينى والثقافى والإعلامى.. «مواطنة».
- أن ينص قرار رئاسى على بناء مسجد وكنيسة فى كل مجتمع عمرانى جديد.. «مواطنة».
- فى إصدار قرارات الإجهاز على فيروس «سى» بهذا النجاح المذهل وغيرها من المبادرات الصحية الرائعة الراعية للمرأة، ومن كانوا ينتظرون العلاج العاجل ومواجهة «كورونا» الناجحة.. «مواطنة».
- قانون بناء الكنائس وتوفيق أوضاع مئات الكنائس واستكمال إعادة بناء وترميم بناء ما دمرته معاول الشر الإرهابية.. «مواطنة».
وغير ذلك الكثير من القرارات والمواقف التى تم تفعيلها، والتناول الوطنى المخلص للتغيير والتطوير على أرض الواقع بنجاح، كانت جميعها استجابة لتفعيل نداء «المواطنة»، وتبنى ثورة ٣٠ يونيو المجيدة فكر المواطنة وتجلياتها الرائعة.
ولا ريب أن المواطنة قانون حضارى، وفى الحضارة المصرية القديمة نجد أن التحرر ارتبط أيضًا بالقانون والنظام، وقد عبّر المصرى القديم عن ذلك بمفهوم «الماعت»، «الماعت» يعنى القانون الذى يحرر الضعيف من استبداد وبطش القوى.
جاء فى كتاب «ذكاء القلب: الفلسفة الروحية للمصريين القدماء» بتحرير «صفاء محمد»، أن المصرى القديم كان يرى أن البشر جميعًا سواسية، رغم وجود فوارق طبقية اجتماعية، وهناك نص يعبر عن تلك الفكرة تعبيرًا دقيقًا، وهو أحد النصوص الدينية التى وردت على لسان «رع»، وفيه يفسر «رع» وجود فوارق بين البشر ويحاول تخفيف حدة الغضب بين طاقم الملاحين من الـ«نترو» (القوى الإلهية) التى تبحر بقاربه فى السماء. يلخص «رع» عملية الخلق فى أربع خطوات: خلق «رع» الرياح وخلق المياه لجميع البشر، وأنزل الخوف من الموت فى قلب كل إنسان، ولكن قبل كل شىء خلق البشر جميعًا سواسية، يقول النص: «لقد خلقت كل إنسان مساويًا لجاره، وحذرتهم من ارتكاب الأخطاء، ولكن قلوبهم نسيت».
وفى مصر القديمة نجد الملك دائمًا ما ينصح وزراءه ومعاونيه قائلًا: «لا تفرقوا فى المعاملة بين ابن الرجل النبيل وابن الرجل المتواضع.. قيّموا الناس حسب قدراتهم ومواهبهم».
إنها «المواطنة»، القانون الحضارى العظيم الذى يشمل برعايته حالة السلام الاجتماعى، و«المواطنة» إذا تخيلتها كيانًا أو مؤسسة حضارية علمية تعليمية إنسانية فى حالتها المعاصرة الأكاديمية التنظيرية، فأرى المفكر د. وليم سليمان قلادة عميدها وواضع لبنات تشريعاتها الأساس، كما أرى المفكر د. سمير مرقص مديرها ومنظرها الأكاديمى التنويرى المبدع الحاصل على العديد من الجوائز والتكريمات الدولية والمحلية لقاء حصاده الوفير فى دنيا الفكر الإنسانى الباحث عن سبل تحقيق الوئام الاجتماعى، ورسم أعمدة بناء حلم «جودة الحياة» على أرض الشقاء.
ولعل الكتاب الأخير لمفكرنا الباحث الدءوب «سمير مرقص» الذى اختار له عنوان «المواطنة والهوية.. جدل النضال والإبداع فى مصر»، ما يُعد تأكيدًا على ما ذكرت حول منظور فكر «المواطنة» عند مفكرنا.. فمؤلف الكتاب يرى أن مصر تتميز بخصائص وسمات أسهمت بنصيب وافر فى تكوين شخصيتها وفى بناء هويتها عبر تاريخها الطويل الضارب بجذوره فى قلب التاريخ الإنسانى، والزاخر بالأحداث والشخصيات التى تركت آثارها، فجاء كتابه متناولًا جهوده البحثية فى «هوية مصر» من جميع الجوانب ومختلف المكونات والعوامل الحضارية والإنسانية، سعيًا لسبر أغوارها ولاستشراف القادم من مستقبلها.
يرى الكاتب أهمية طرح مفهوم جديد للمواطنة باعتبارها تجسد: «حركة الإنسان (المواطن عندئذ) اليومية، مشاركًا ومناضلًا من أجل حقوقه، بأبعادها المدنية والاجتماعية والثقافية على قاعدة المساواة مع الآخرين، من دون تمييز لأى سبب، واندماج هذا المواطن فى العملية الإنتاجية بما يتيح له اقتسام الموارد فى إطار الوطن الواحد الذى يعيش فيه مع الآخرين».
ويؤكد «مرقص» أن المواطنة تعد «نقلة نوعية» حول تصوراتنا عنها فى الأدبيات العربية، ففى الغرب وبالذات فى الأدبيات الأوروبية لا يمكن الحديث عن المواطنة من دون السياق الاجتماعى الذى تُمارس فيه، كذلك من دون فهم علاقات المواطنة بالبناء الطبقى السائد والأيديولوجية السائدة وهيكل الدولة ونمط الإنتاج وموازين القوى الاجتماعية ومنظومة القيم الثقافية.. إلخ».
وهكذا يتحرر المصطلح من أسر أن يكون مجرد قيمة مثالية مجردة أخلاقية، أو ذات طبيعة فردية يعتنقها المرء، أو يؤمر فيتبعها، أو يؤخذ قرار بشأنها، أو تصدر أوراق حولها فتحل إشكالية المواطنة، وإنما الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك، فالمواطنة نتاج لحركة المجتمع بما يضم من مواطنين.