رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«التنمر».. وسيلة أخرى للقتل سلاحها «اللسان» (روايات ضحايا)

التنمر
التنمر

كعادته التنمر يتسبب في وقائع لها من الخطر نصيبا كبيرا على الفرد بل والمجتمع، مسببا لأفراد كثيرين "القتل المعنوي" من خلال تدمير نفسيتهم، وكذلك تسببه في أحيان أخرى في القتل الفعلي لآخرين، مثلما حدث منذ أيام مع أحد الأطفال بمدينة السادات بمحافظة المنوفية، والذي صعدت روحه البريئة إلى ربه محروقا دون أن يقترف أي ذنب سوى أن والده يعمل بجمع القمامة والبلاستيك.

وحدث هذا عندما تنمر بذلك الطفل ثلاثة من أصدقائه بسبب مهنة والده، فسكبوا عليه مادة البنزين وأشعلوا به النيران على سبيل اللهو، مما أدى إلى إصابة بحروق لـ٨٠% من جسده، لينتقل بعدها إلى مستشفى الجامعة بشبين الكوم، ويتم إجراء عمليات جراحية له ولكن دون جدوى، فتصعد تلك الروح البريئة إلى السماء.

وحسب منظمة اليونيسيف، التنمر بين الأطفال يعد من أخطر أشكال التنمر، نظرا لعدم إدراك الطفل بحكم خبراته المحدودة كيفية مواجهته والتعامل معه، بالإضافة إلى قدرة ذلك التنمر على تدمير وقتل نفسية الطفل الموجه إليه بسهولة، نظرا لكون نفسيته لم تتمتع بثقل التجارب والمفاهيم الكاملة لإدراك النفس وتقديرها، والتي من خلالها يستطيع مواجهة أي عدوان نفسي خارجي.

وفي هذا التقرير نفتح قضية التنمر الذي يتعرض له الأبناء وتحديدا ذلك الذي يحدث بسبب مهنة الوالدين، فكيف تواجه تلك البراءة ذنب مهن آبائهم التي هي في الواقع لا تمثل ذنبا من الأساس، ولكنها أعمالا شريفة لا غنى لكل فرد في المجتمع عن وجودها، مهما ظهرت وكأنها أعمالا بسيطة.

• مريم تشعر بالخجل
"أشعر بخجل شديد أمام زملائي من مهنة والدي الذي يعمل فراشا"، كلمات الطفلة مريم محمد بالصف الرابع الابتدائي التي وصفت تأثير عمل أبيها عليها وسط نظرات المجتمع، تضيف: "لا أتحدث معهم كثيرا فأنا أرى نظراتهم التي يرونني بها وكأنني أنا الأقل منهم في كل شيء وكأنني لست إنسانة مثلهم كل هذا لأن والدي يعمل بمهنة بسيطة"، وتؤكد مريم أن إحدى زميلاتها عايرتها من قبل بمهنة والدها قائله لها عبارات جارحة لا تريد تذكرها، مما جعلها تعود إلى منزلها بهذا اليوم فتبكي لساعات، وكلما تذكرت هذا الموقف تدمع عيناها.

كلمات مريم القاسية تعكس روح التنمر الكبيرة الموجودة بين زملائها الأطفال عليها، والتي أوصلتها إلى حالة من الاكتئاب والعزلة ظهرت على طفلة من المفترض أن تعيش كامل حيويتها بهذا العمر وتتمتع بلحظات البراءة به.

• أميرة ابنة "التربي" تعاني
مجرد طرح السؤال عن مهنة أبيها يثير ضيق وإزعاج "أميرة. ع، ١٨ سنة"، موضحة أنها تتردد كثيرا في التصريح بمهنته نظرا لكون البعض يرى هذه المهنة سببًا للتشاؤم، فأبيها يعمل "تربي"، موضحة أن من الناس من يعتقد أن التصريح بهذه المهنة ليس من باب الذوق في شيء، مضيفةً أنها عانت أثناء دراستها من سخرية زميلاتها، بل كانت تتضايق كثيرًا، لتكتشف بعد ذلك أن أَخذ الأمر بجدية يشعل حماسهن في الضحك والاستهزاء، لتغير من ردود أفعالها، من خلال مشاركتهن الضحك والدعابة على المهنة، موضحة أنه لم تكن السخرية بالطبع متعلقة بأبيها، لكنها تتعلق بمهنته.

• يوسف فخور بمهنة أبيه مهما كان
بينما على عكس سابقيه يتحدث الطفل "يوسف أحمد ١٥ سنة"، والذي يعمل والده حارس عقار بفخر وعزة عن أبيه وعن مهنته، قائلا "فخور بأبويا وبشغله.. هو ما بيشتغلش في حاجة حرام.. وحفضل رافع راسي به". يوسف يوضح أيضا أنه لا يهمه كلام الناس سواء تنمروا على عمل أبيه أم لا، فكل ما يهمه هو أن ينجح بسنواته الدراسية ويجعل أبيه فخورا به كما هو الآن فخورا بهذا الأب الذي يعمل ويعاني بكد لينفق على ٤ من الأبناء ويعلمهم جميعا.

• منار والدها صاحب أحذية: "على راسي"
الأمر نفسه مع "منار سعيد" دبلوم تجارة، التي توضح أنها منذ طفولتها تتعرض لأشكال كبيرة من التنمر ممن حولها بسبب مهنة والدها، الذي يعمل "صانع للأحذية"، موضحة أنها كانت تشعر في طفولتها بكثير من الضيق بسبب هذا التنمر الموجه ضدها، إلا أنها مع الوقت وبعد أن كبرت وأدركت مفاهيم الحياة، تخلصت تماما من هذا الضيق وأصبح لا وجود له بحياتها مهما تعرضت من تعليقات سخيفة، فهي تفخر بوالدها وبما ضحى به من أجلها هي وشقيقاتها، كما أنها ترى أن والدها لم يفعل شيئا يغضب الله بل امتهن مهنة شريفة وراعى ضميره بها حتى صار ذو شهرة واسعة بمنطقته والجميع يشهد له بأخلاقه وصنعته الجيدة، فهي بالنهاية تفخر أن هذا الأب والدها "أبويا حيفضل على راسي".

فيما شددت فاطمة السعيد أخصائية اجتماعية، على ضرورة تخلص بعض الأبناء من مشاعرهم تجاه مهن آبائهم، موضحة ضرورة أن يهزموا بعض الأحاسيس الخاصة بالخجل من مهنة آبائهم، مشيرة إلى أنه بقدر حاجة المجتمع إلى المهندس والمدرس والمحامي، بقدر حاجته أيضا لـ"الفراش، ومغسل الموتى"، مؤكدةً أنه من الطبيعي في ظل ظروف مجتمعنا الذي بدأت تظهر على سطحه بعض الظواهر السلبية، أن ينشأ الابن أو الابنة وفي داخله الإحساس باحتقار مهنة أبيه أو أخيه أو أي شخص من أسرته، نتيجة النقص الذي حدث في تكوين شخصيته نتيجة تعرضه للتنمر، مما أدى إلى التأثير في سلوكه وتصرفاته في الحياة بشكل غير سليم، ناصحةً الأبناء أن يزرعوا بداخلهم الاعتزاز بالآباء والافتخار بوظائفهم الشريفة، وأن يقدروا دورهم العظيم في حياتهم.

وعرفت منظمة اليونيسيف، تنمر الأطفال بأنه أحد أشكال العنف الذي يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضد طفل آخر أو إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة، وقد يأخذ التنمر أشكالًا متعددة كنشر الإشاعات، أو التهديد، أو مهاجمة الطفل المُتنمَّر عليه بدنيًا أو لفظيًا، أو عزل طفلٍ ما بقصد الإيذاء أو حركات وأفعال أخرى تحدث بشكل غير ملحوظ.

- وتظهر الأبحاث أن الأطفال والمراهقين الذين يقومون بالتنمر على الأطفال الآخرين بصورة متكررة هم أنفسهم يعانون من الفشل في الاستمرار في الوظائف أو تكوين علاقات صحية.

كما توضح الأبحاث أنه لا أحد يولد متنمرًا، ولكن يمكن لأي طفل أن يتعلم سلوك التنمر ويمارسه في ظل ظروف معينة، ومن بين أبرز تلك الأسباب الشائعة المؤدية لخلق طفل متنمرا هي أن أغلب الأطفال الذي يمارسون التنمر هم نفسهم تم ممارسة التنمر عليهم من قبل، أو أن يكون هؤلاء الأطفال جزءًا من اتفاق، عن طريق الانضمام لمجموعة من المتنمرين طلبًا للشهرة أو الإحساس بالتقبل من الآخرين، أو لتجنب تعرضهم للتنمر، اكتساب وتعلم العدوانية والتنمر في المنزل، أو في المدرسة، أو من خلال وسائل الإعلام، كما قد يكون التنمر نابعا من الشعور بالضعف والغيرة، وأيضا عدم الوعي بالأثر السيء الحقيقي للتنمر على الضحية.

هالة أبو خطوة، مدير قسم الإعلام في مكتب اليونيسيف بمصر، التابع للمنظمة العالمية للأمم المتحدة الطفولة، أوضحت أن التنمر ظاهرة عالمية وهناك حوالي 50% من الأطفال حول العالم يتعرضون للتنمر من زملائهم، خاصة في فترة المراهقة من 13 إلى 15 سنة.

كما أشارت إلى أن البيانات التحليلية في مصر توضح، أن 70% من الأطفال في مصر يتعرضون للتنمر من زملائهم في المدارس وما حولها من بيئة.

ولفتت إلى أن ظاهرة التنمر في مصر منتشرة للغاية، ويعود ذلك لقلة الوعي بين الأطفال، وهذا يمثل نوعا من أنواع العنف، وقد ينتج عنها نبذ التعليم والذهاب للمدرسة والانتحار في بعض الحالات.