رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القرار الفلسطينى لم يعد فلسطينيًا!


طعنات متتالية تلقتها القضية الفلسطينية، خلال الأيام القليلة الماضية، من الرئيس الفلسطينى محمود عباس، وقادة أو أمناء الفصائل، الذين باعوا أنفسهم للعائلة القطرية الضالة، وارتموا فى أحضان، ولن نقول تحت قدمى، الرئيس التركى، مرتكبين «جريمة شرف» جديدة، تشبه تلك التى تحدث عنها نزار قبانى، فى قصيدته الشهيرة.
من أجل تركيا، لا لأى سبب آخر، غابت فلسطين، أمس الأول الثلاثاء، عن حفل توقيع اتفاقية إطلاق «منظمة غاز شرق المتوسط»، التى شاركت فى تأسيسها. ومنذ أيام، صدرت أوامر محمود عباس لقيادات حركة فتح، وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بعدم انتقاد البيان الأمريكى القطرى، الذى تبنى خطة السلام الأمريكية المعروفة باسم «صفقة القرن»، بعد سلسلة تصريحات حملت هجومًا، صريحًا أو ضمنيًا، على إمارة قطر.
فى كلمته، كلمة مصر، أمام الدورة ٧٥ للجمعية العامة للأمم المتحدة، طالب الرئيس عبدالفتاح السيسى، بالتصدى للإجراءات التى تقتطع الأرض من تحت أقدام الفلسطينيين وتقوض أسس التسوية وحل الدولتين التى تبنتها القرارات الدولية وقامت عليها عملية السلام والتى بادرت إليها مصر سعيًا إلى تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم. كما شدد الرئيس على أنه لا سبيل لفتح آفاق السلام والتعاون والعيش المشترك إلا بتحقيق الطموحات المشروعة للشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، لكى يعم السلام والأمن كل شعوب المنطقة.
الرئيس السيسى أكد، أيضًا، أن القضية الفلسطينية هى الأحق بالاهتمام، إذا كنا ننشد حقًا تنفيذ القرارات الدولية، وتحقيق السلام والأمن الدائمين فى منطقة الشرق الأوسط، بينما كان محمود عباس وأمناء الفصائل يضعون الرموش المستعارة، كى يرضوا الرئيس التركى، الراعى الرسمى للإرهاب فى المنطقة، كما ظهر ما يوحى بأن السلطة الفلسطينية باعت نفسها وقضيتها للعائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة، مقابل قرض يساعدها فى التغلب على أزمتها المالية. بعد ما يوصف بـ«الحوار الاستراتيجى الثالث»، الذى انعقد فى العاصمة الأمريكية واشنطن، أصدرت الولايات المتحدة وقطر بيانًا مشتركًا طالب بالتوصل إلى «حل تفاوضى للصراع الإسرائيلى الفلسطينى، على النحو المبين فى الرؤية الأمريكية للسلام». ما يعنى بمنتهى الوضوح أن البيان يتبنى الرؤية الأمريكية المعروفة باسم «صفقة القرن»، التى يرفضها الفلسطينيون، وسبق أن وصفها الرئيس الفلسطينى بأنها «صفعة القرن»، فى كلمته خلال افتتاح الدورة الـ٢٣ للمجلس الوطنى الفلسطينى، التى أكد فيها أنه لا سلام دون القدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين.
مع ذلك، وبمجرد أن قام أعضاء فى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومسئولون آخرون، بانتقاد على البيان، أصدر نبيل أبوردينة، المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية بيانًا مقتضبًا قال فيه إن الموقف الرسمى الفلسطينى هو ما تنشره فقط وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية «وفا». ثم حذفت الوكالة فقرة من تصريحات أدلى بها أحمد مجدلانى، الأمين العام لجبهة النضال الشعبى الفلسطينى، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. مع أن الرجل لم يقل فى الفقرة المحذوفة غير الآتى: «البيان المشترك الصادر عن حكومتى الولايات المتحدة الأمريكية وقطر والذى أكد على آفاق حل تفاوضى للصراع الإسرائيلى الفلسطينى على النحو المبين فى الرؤية الأمريكية للسلام، تأكيد قطرى على تبنى صفقة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، المرفوضة فلسطينيًا ودوليًا».
اعتمادًا على ذاكرة البغايا، أيضًا، ستستضيف مدينة إسطنبول التركية اجتماعًا بين حركتى فتح وحماس، قيل إنه يأتى امتدادًا للاجتماع، الذى انعقد مطلع الشهر الجارى، فى بيروت ورام الله، عبر «الفيديو كونفرانس»، والذى كان الهدف المعلن منه هو توحيد الفلسطينيين، ووضع برنامج وطنى، واستراتيجية نضالية، ثم دفعت الرياح والأهواء والمصالح، سفن ومراكب أمناء الفصائل، إلى اتجاهات أخرى، ولم يتم الاتفاق إلا على تشكيل لجنتين، فى غضون خمسة أسابيع، إحداهما ستقدم، إن تشكلت، رؤية استراتيجية للمصالحة والشراكة وإنهاء الانقسام.
كانت هناك ترتيبات لعقد الاجتماع الجديد فى العاصمة الروسية، أواخر الشهر الجارى. لكن تم استبدال إسطنبول بموسكو بعد اتصال تليفونى بين الرئيس الفلسطينى ونظيره التركى، مساء الإثنين، طلب فيه الأول من الثانى دعم التوجه الفلسطينى نحو تحقيق المصالحة والذهاب للانتخابات. وأطلعه خلاله على الحوارات، الجارية بين فتح وحماس والفصائل الفلسطينية. وبدا أن محمود عباس كان متفائلًا زيادة عن اللازم، حين طالب أردوغان بتوفير مراقبين من تركيا، فى إطار المراقبين الدوليين، لمراقبة الانتخابات، التى قد يصدر مرسوم رئاسى بإجرائها.
الانقسام الفلسطينى، الذى بدأ سنة ٢٠٠٧، لا يزال مستمرًا، وغالبًا سيستمر. وسيظل «الفرزدق يغرس السكين فى رئتى جرير»، وستبقى القضية الفلسطينية أحجارًا مبعثرة وأوراقًا تطير، ما لم ينضبط أداء السلطة الفلسطينية، التى لا نعتقد أننا كنا متجاوزين حين قلنا إنها مسئولة عن جانب كبير، إن لم يكن الأكبر، من الضعف الذى أصاب القضية الفلسطينية.