رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"قبر" الخواطر


كيف لمجتمعِ التكافل والرحمة وتقدير الذات أن يصل لهذه الدرجة من الإهمال في حق المُستَضعَفين والمحتاجين إلى هذه الدرجة الخشنة من سوء أخلاقيات المهنة، وتصبح نسبة المشاهدة وتحقيق الأرباح هي الهدف الذي يَسحَقُ تحته منظومة قيم الرحمة والإنسانية؟!

يمر المجتمع المصري بمرحلة رديئة في التعبير عن القضايا التي تستهلك مفهوم جبر الخواطر وتلفت انتباه الرأي العام دون تحقيق مضمون أو عمق أخلاقي، وبهدف تحقيق رؤية اقتصادية بحتة من التسويق التجاري. ما يتسبب في وصم أصحاب القضية وذويهم بصفات وألقاب يعانون منها طوال عمرهم، من ابنة حارس العقار وبائعة التين وبائع الفريسكا لخلق مُنتَجٍ إعلاميٍّ يتم استثماره واستهلاكه حتى تفقدَ القضيةُ قيمتَها ومضمونها ويتحول الأمرُ إلى مزادٍ فاسدٍ يحقق نتائجَ لأصحابِ المصالحِ فقط.

أصبحنا نعاني من انقلابٍ قِيَمِيٍّ وأخلاقيٍّ يساهم في تدهور منظومة الإعلام المحلي، ويقاوم سبل الرقيّ الفكري والأخلاقي لصالح مناهج تسويقيَّة اقتصادية أصبحت تخاطب غريزةَ ومصالحَ الفرد والمجتمع.

وبعد أن كان الفردُ يرتكزُ على القواعد الأخلاقية الخاصة بقيمة جبر الخواطر كأحد السلوكيات التي يتعامل بها مع أفراد المجتمع بهدف تحقيق العدل والرحمة والمساواة، أصبح الشارع هو الحاضن والملهم، وتكون والانتهازية أول الدروس التي يتلقاها الفرد لنحصل على نتيجة وخيمة وكارثية ويتحول قانون الغابة إلى أن يكون هو السائد، البقاء للأقوى وأي قوة، قوة تحطيم الأفضل، قوة تمجيد السارق والفاسد على حساب المتفوق والمثقف الذي أصبح بلا قيمة ولم يعد يحمل صفة الرحمة.

ندرك جيدًا أن أي المجتمع هو بنيان بشري يجمع بين مكوناته جميع سلوكيات البشر، باختلاف مصالحهم وأعمارهم ومعتقداتهم، على أن تجمع بينهم روابط القيم والأخلاق. إلا أن القيم الإنسانية النبيلة شهدت تدهورًا كبيرًا داخل المجتمعات المعقَّدة التي أصبحت في الطريق إلى إعادة إنتاجها وتشكيلها من جديد في ظل خريطة مصالح مختلفة وجديدة ومتطورة بدون معالجات لها.

لكن ما يحدث من مشاهد مهينة وغير مهنيَّة من وسائل الإعلام لا يهدف إلا لتحقيق نسبة مشاهدة أو متابعة أو تحقيق أرباح، في قضايا الدعم المجتمعي للشرائح الفقيرة والمحتاجة من المتفوقين أو الموهوبين أو حتى المظلومين، ووصمهم وفضحهم.

ولذلك أتصور أنه من الضروري إنشاء مركز قومي وطني لدعم الموهوبين والشباب المتفوقين والمبدعين يكون بمثابة طوق النجاة الحقيقي لحمايتهم من الوصمة الاجتماعية وتنافس أصحاب المصالح من مؤسسات أو أفراد، بجانب تجريم كل نماذج إعلانات وحملات جبر الخواطر التي تشوه المجتمع وتسبِّبُ وصمةً اجتماعيَّةً لأصحابها، واعتبارها تحريضًا على الاستغلال واستثمار احتياج المواطنين.