رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منير القادري: حسن الظن بالله وبالعباد من أسس التصوف

منير القادري بودشيش
منير القادري بودشيش

تناول الدكتور منير القادري بودشيش، رئيس مؤسسة الملتقى ومدير المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام، خلال مشاركته مساء أمس السبت، في الليلة الرقمية الحادية والعشرين، التي نظمتها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بشراكة مع مؤسسة الجمال، موضوع "التصوف وحسن الظن بالله وبعباده من عوامل الرقي الروحي والأخلاقي في الإسلام".

وأوضح رئيس مؤسسة الملتقى ومدير المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام، خلال مداخلته أنه ليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، مضيفا أن حسن الظن يؤدي الى سلامة القلب من أذى هواجس النفس ووساوس شياطين الجن والإنس والخواطر المقلقة التي تؤذيه، وتكدر البال، وتتعب الجسد، وأضاف أن حسن الظن يؤدي إلى سلامة الصدر وصفاء السريرة وبهاء الطلعة، وأنه يدعم روابط الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع، مذكرا في هذا الصدد بأحاديث نبوية شريفة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا"، كما أورد مجموعة من أقوال السلف والخلف في مدح حسن الظن والحث عليه، كقول الإمام الشافعي رحمه الله "من أحب أن يختم له بخير فليحسن الظن بالناس".

وأكد" بودشيش" أن حسن الظن ركن مكين في حفظ تماسك الأمة الإسلامية، وأساس متين في تحصينها الداخلي من الغوائل وعوامل الفرقة التي تتربص بها لتفكك لحمتها وتقضي باندثارها، وأبرز أن حسن الظن يؤول في مجتمعاتنا إلى عدة أنواع، يتعلق النوع الأول منها بحسن الظن بالله، منبها بخصوص النوع الأول الى سوء ظن شائع بين عوام المسلمين من أن هذا الدين لن ينتصر يوما ولن يتم أمره، وأن الله يجعل الغلبة للباطل وأهله على الحق وأهله، غلبة ظاهرة دائمة لا تقوم للحق بعده قائمة، دافعهم في ذلك ما يشاهدونه من المحن والمآسي التي تصيب المسلمين في الشرق والغرب، مستبطئين الفرج حيث يغفلون عن تحقيق أسباب النصر والتمكين في أنفسهم ومجتمعاتهم، مبينا أن ذلك يعتبر سوء ظن بالله، وأنه خلاف ما يليق بكماله سبحانه وجلاله وصفاته ونعوته، فعزته وحكمته وألوهيته تأبى ذلك وتأبى أن يذل جنده وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لأعدائه المشركين به.

وأضاف أن النوع الثاني يتعلق بحسن الظن بعباد الله، داعيا للنظر إلى الآخرين نظرة إيجابية مذكرا بالحديث الصحيح الذي رواه الامام البخاري عَنْ أَسْلَمَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ الله - صلى الله علية وسلم -، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله علية وسلم - قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يؤْتَى بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله علية وسلم: لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إلا أَنَّهُ يحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ.

و نبه إلى أنه ينبغي على كل إنسان مؤمن عاقل أن يتجنب الحكم على الناس أسوة بالتربية الصوفية التي تدعو إلى عدم تتبع عورات الناس والابتعاد عن إشاعة الفتنة بين المسلمين، عملا بالمقولة المشهورة "إن علمت شيئا غابت عنك أشياء"، أما النوع الثالث فيتمثل في حسن الظن بين الزوجين، مشيرا الى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلقن هذه الخصلة لأصحابه، مستشهدا بما رواه البخاري من أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن امرأتي ولدت غلامًا أسودَ، فقال - صلى الله عليه وسلم - هل لك من إبل؟ قال نعم قال فما الوانها قال حمر قال هل فيها من أوراق أي سود قال نعم قال فأنى أتاها ذلك، قال عسى ان يكون نزعه عرق قال فكذلك ابنك عسى ان يكون نزعة عرق"، موضحا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ هذا الرجل في دورة تدريبية تثقيفية، حتى يمتلك المعرفة السليمة ويحسن الظن بزوجته وأهله ويبتعد عن الفرقة وسوء الظن وآثاره السلبية.

أما رابع هذه الأنواع فيتعلق بحسن الظن بالعلماء، وأوضح أن المقصود بالعلماء المخلصين، الذين يدلون على الخير، ويهدون بالحق وبه يعدلون، وأن الله فضلهم بما وقر في قلبهم من علم على كثير من خلقه، مذكرا بقوله تعالى في سورة الزمر(الآية 9) ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، وأنه رفع درجاتهم بهديهم، مصداقا لقوله تعالى في سورة المجادلة (الآية 11) ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾