رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أين الخطوط الحمراء الأوروبية؟!


نواب أوروبيون طالبوا باتخاذ موقف حازم ضد الممارسات التركية فى شرق المتوسط، محذرين من عواقب هذه الممارسات على أمن الاتحاد الأوروبى ومصالح دوله. وخلال الجلسة الخاصة، التى عقدها البرلمان الأوروبى، أمس الثلاثاء، استنكر النواب التحرش التركى المستمر بسيادة اثنتين من الدول الأعضاء فى الاتحاد، وطالبوا بتضامن فعلى مع اليونان وقبرص.
الاتحاد الأوروبى أمام لحظة فاصلة فى تاريخ علاقته مع تركيا، بحسب جوزيب بوريل، الممثل الأعلى الأوروبى للشئون الخارجية والأمن، الذى حضر الجلسة وطالبه النواب بنقل موقفهم لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبى، الذين يبحثون الوضع فى شرق المتوسط، الاثنين المقبل، قبل انعقاد قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد، يومى ٢٤ و٢٥ سبتمبر فى بروكسل.
من المقرر، أو المفترض، أن تبحث القمة الأوروبية المقبلة سبل التعامل مع الاستفزازات التركية، وأن تبحث إمكانية فرض عقوبات ضد أنقرة بسبب تنقيبها عن الغاز فى المياه القبرصية واليونانية. لكن الواقع يقول إن كل الاجتماعات، التى انعقدت تحت مظلة الاتحاد الأوروبى، هدّدت، فقط هدّدت، بفرض عقوبات، وأن تركيا ضربت بكل تلك التهديدات عرض الحائط.
لوهلة، بدا أن تركيا عادت إلى رشدها أو أذعنت للإشارات والتحذيرات الأوروبية، حين قامت بسحب سفينة الأبحاث «أوروتش رئيس» من شرق المتوسط، إلى سواحلها الجنوبية. لكن سرعان ما نفى وزير الخارجية التركى، أن تكون بلاده قد تراجعت، وأكد أن سفينة الأبحاث عادت إلى ميناء أنطاليا للصيانة!
عقب اتصال تليفونى مع الرئيس التركى، أعرب شارل ميشال، رئيس المجلس الأوروبى، فى ٤ سبتمبر الجارى، عن تضامنه الكامل مع اليونان وقبرص فى نزاعهما مع تركيا، وأكد استعداد الأوروبيين للجوء إلى «سياسة العصا والجزرة»، فى إشارة إلى العقوبات والمساعدات. لكنه تراجع خطوة إلى الوراء بإشارته إلى أنه طرح فكرة عقد مؤتمر متعدد الأطراف على تركيا وشركاء آخرين، ثم صارت تلك الخطوة خطوات، حين سئل عن إمكانية نجاح ذلك المؤتمر فى تخفيف حدة التوتر، ورد بقوله: «لا توجد لدينا إجابة واضحة»!
التهديدات التركية لأمن ومصالح أوروبا، تدركها فرنسا أكثر من غيرها، وتربط سياسة تركيا فى شرق المتوسط بتحركاتها المريبة فى ليبيا وشمال وغرب إفريقيا. وكنا قد أشرنا، أمس الأول، إلى أن تركيا فتحت جبهة صراع جديدة مع فرنسا، بلعبها الصريح، أو المكشوف، فى مالى، التى دعمت الجماعات الإرهابية فيها، وزارها وزير الخارجية التركى قبل مرور شهر على الانقلاب الذى أطاح بالرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا. وعليه، كان منطقيًا أن تكون باريس هى أكثر العواصم الأوروبية تشددًا، وألا تتوقف مطالباتها بفرض عقوبات.
الرئيس الفرنسى، جدّد الخميس الماضى تأكيده على انزعاج بلاده من الدور التركى فى شرق المتوسط، وشدد على ضرورة احترام سيادة الدول الأوروبية فى تلك المنطقة. وخلال كلمته أمام قمة «دول جنوب الاتحاد الأوروبى»، أعرب عن تضامنه مع قبرص واليونان فى مواجهة الاستفزازات التركية أحادية الجانب، وأوضح أن تركيا تسعى إلى فرض سيطرتها فى شرق المتوسط، وطالب قادة أوروبا بأن يكونوا أكثر حزمًا تجاه الرئيس التركى.
فى النسخة السابعة من القمة، التى استضافتها جزيرة كورسيكا، وجّهت فرنسا رسائل حازمة إلى تركيا، وطالبت باقى دول الاتحاد الأوروبى، المنقسمة على نفسها، بالتضامن مع اليونان وقبرص عمليًا، وليس فقط من خلال البيانات. وهو ما توافقت عليه باقى دول جنوب أوروبا: إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، اليونان، قبرص، ومالطا.
مطالب الدول السبع شديدة البساطة، وسبق أن لخصها كيرياكوس ميتسوتاكيس، رئيس الوزراء اليونانى، فى خمس كلمات فقط: «الأعمال الاستفزازية تتوقف، المحادثات تبدأ». وفى حسابه على تويتر، طالب ميتسوتاكيس برد دولى على أعمال تركيا غير القانونية. موضحًا أن بلاده تواجه عدوانًا يتحدى ميثاق الأمم المتحدة ويقوّض القانون الدولى، ويعرّض الأمن الإقليمى للخطر، ويسعى لتغيير الواقع الجغرافى.
على الخط، دخل المستشار النمساوى سيباستيان كورتس، الذى أكد أن تجاوزات تركيا غير مقبولة ولا يمكن السكوت عليها، وشدّد على ضرورة وضع خطوط حمراء أمامها وتوقيع عقوبات صارمة عليها لو تجاوزتها. كما سبق أن أكد الرئيس الفرنسى، أواخر الشهر الماضى، أن تركيا لا تفهم غير لغة الخطوط الحمراء.
منذ قيام مصر بتلجيم تركيا فى ليبيا، وإجبارها على عدم تجاوز الخط الأحمر، الذى حدده الرئيس عبدالفتاح السيسى، بات فى حكم المؤكد أن الاستفزازات التركية فى منطقة شرق المتوسط أو فى غيرها، لن تتوقف، إلا لو رأى أردوغان عيونًا أو خطوطًا حمراء، تجبره على التراجع. لكن ربما لا تظهر خطوط الاتحاد الأوروبى الحمراء، خوفًا من ابتزاز الرئيس التركى، مجددًا، للدول الأعضاء، بملف اللاجئين والدواعش، كما فعل فى مارس الماضى، إضافة إلى أن ألمانيا، رئيس الاتحاد فى دورته الحالية، تتجنب الصدام مع تركيا، لأسباب يطول شرحها.