رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عفواً نقيب المحامين !!


طالعتنا جريدة الشروق الصادرة يوم 27 أغسطس 2020 بمقال لنقيب المحامين الأستاذ رجائي عطية عنوانه "بين السيد المسيح عليه السلام والتلاميذ", والمقال تضمن بعض المعلومات المجتزأة وغير الدقيقة مما أثار جدلاً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي, وإيماناً منا بأن الفكر لا يُرد عليه إلا بالفكر, فإن لي بعض الملحوظات على ماكتبه سيادة النقيب.
أولاً : إن المسيحية لاتؤمن بالوحي الإملائي المُنزل من السماء, بل يؤمن المسيحيون بما جاء في الكتاب المقدس عن الوحي حيث يقول الكتاب في رسالة الرسول بطرس
الثانية 1: 21 " لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ." وهذا النص يؤكد احترام الله لعقلية كتبة الوحي ومن ثم فإن هناك عنصران للوحي في المفهوم المسيحي, عنصر إلهي وعنصر بشري, وفي هذا الصدد كتب القس الياس مقار في كتاب إيماني "إن العلاقة الإلهية البشرية في الكتاب المقدس, أشبه بذلك الضوء الذي ينفذ خلال زجاج الكاتدرائيات الملون, الذي وإن كان في حد ذاته نورًا علويًا يأتي من الشمس, إلا أنه يحمل معه لون الزجاج عندما ينفذ إلى داخل الكاتدرائية, وإن نسمة الله في الوحي ونفخته تعني في الواقع تلك العناية الإلهية, الدافعة والحافظة والمنقية والمحددة لما يُكتب سواء كان تفصيلًا أو إجمالًا, ونؤمن أن روح الله هو الذي أوحي بالكلمة المقدسة, وكأن الله نفخ في الكلمات البشرية نسمةً منه كما نفخ قديمًا في آدم, فأصبحت تلك الكلمات حية ومحيية صادرة من فمه هو, والكلمة النبوية هي الدستور الوحيد المعصوم ذو السلطة الكاملة للإيمان والأعمال" بمعني أخر يمكننا القول أن كل الكتاب هو زفير الله, هو تنفسات الله, وحَمَل الله الكتبة بروحه إلى الهدف الذي كان يريده ويقصده, وكتب الدكتور القس إبراهيم سعيد في كتابة لماذا أؤمن "هذا الكتاب الذي أومن بأنه كلمة الله, فهو ليس متضمنًا كلمة الله وكفى ولكنه كلمة الله بالذات, نعم استخدم الرب في كتابه علم موسى, وشاعرية اشعياء, وسذاجة عاموس, وحكمة سليمان, وفلسفة بولس, وتصوف يوحنا, وبساطة بطرس, فانطبعت شخصية كلٌ على كتاباته, لكن روح الله كان يسوق الجميع في ما كتبوا.
ثانياً: يؤمن المسيحيون بإنجيل واحد, أي بشارة مفرحة تتلخص في مجيء السيد المسيح وعصمته وسمو تعاليمه وفدائه وموته وقيامته, وهذا الإنجيل كتبه أربعة رواه, هم متى ومرقس ولوقا ويوحنا, وكل منهم كتب بأسلوب وبلغة وبمعلومات تتناسب مع من كان يكتب إليهم.
ثالثاً: نقلاً عن الأستاذ عباس محمود العقاد تعرض الأستاذ رجائي عطية لنظرية المصادر والتي تتلخص في أن مرقس كتب بشارته أولاً, ثم نقل منه البشيران متى ولوقا, مع مصادر أخرى تخص كلا منهما, وفي حقيقة الأمر إنه لوصحت هذه النظرية فهي لا تنتقص أبداَ من مكانة الكتاب المقدس, وذلك لأن روح الله – الروح القدس- هو الذي ذَكَرَ الكتبة بما قاله لهم المسيح, وهو الذي أرشدهم إلى انتقاء المادة التي يكتبونها من بين المواد الأخرى, هذا فضلاً عن أن هناك نظرية أخرى تقول بأن البشير متى هو الذي كتب بشارته أولاً ومن ثم يصعب أن نقول أن متى ولوقا نقلا من مرقس.
رابعاً: ذكر الأستاذ رجائي "أن آباء الكنيسة ارتضوا هذه البشائر الأربع بالاقتراع", وفي حقيقة الأمر أن أباء الكنيسة وضعوا عدة معايير صارمة ليميزوا بين الأناجيل الصحيحة الموحى بها بالروح القدس, وبين الأناجيل الغنوسية المزيفة والتي انتشرت في نهايات القرن الأول, ومن ثم استبعدوا الأناجيل المزيفة وأبقوا على البشائر الأربعة التي انطبقت عليها معايير القانونية.
خامساً: قال الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه "عبقرية المسيح " ص 88- 90 وكتاب "الله" ص 149، 154، 194 ما خلاصته "إذا اختلطت الروايات في أخبار المسيح فليس في هذا الاختلاط بدع، ولا دليل قاطع عن الإنكار، لأن الأناجيل تضمنت أقوالاً في مناسباتها لا يسهل القول باختلافها، لأن مواطن الاختلاف بينها معقولة مع استقصاء أسبابها، والمقارنة بينها وبين آثارها, كما أن مواضع الاتفاق بينها تدل على أنها رسالة واحدة من وحي واحد". وقال أيضاً "الصواب أن الأناجيل هي العمدة الوحيدة في كتابة تاريخ السيد المسيح, ومن الواجب أن يدخل في الحسبان أنها هي العمدة التي اعتمد عليها قوم هم أقرب الناس إلى عصر المسيح, وليس لدينا نحن بعد قرابة ألفي عام أحق منها بالاعتماد".