رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معارك ترامبية قبل الانتخابات الرئاسية


لم ينشغل الرئيس ترامب منذ تسلمه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية فى يناير ٢٠١٧ إلا بمعارك زادت من تباعد أمريكا عن الدول الحليفة والصديقة لها، نتيجة تفكيره فى مصلحته الخاصة بالنجاح فى الانتخابات الرئاسية ثانية، والتى تبدأ فى ٣ نوفمبر ٢٠٢٠، كما أنه بدأ بالخروج من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الموقعة عليها أمريكا والمشاركة فيها، مما ساعد على تقليص الثقة فى عقد اتفاقيات مع «الولايات المتحدة ترامب»، خشية الرجوع فى كلامه، حيث إنه ومنذ مجيئه تميز بوضع سياسة ما «داخلية أو خارجية»، ثم التراجع عنها فى اليوم التالى، إن لم يكن فى نفس اليوم.
وفى الوقت الذى قال فيه إن أمريكا صرفت كثيرًا على الحروب الخارجية، وعلى الدول أن تدفع ثمن حمايتها، ما زال ترامب يدعم العديد من الصراعات والحروب الإقليمية والدولية، خاصة داخل وطننا العربى ومنطقة الشرق الأوسط، بجانب لعب دور حامى حمى الديار الإسرائيلية وأمن وأمان إسرائيل، بل واتخذ العديد من القرارات لكسب أصوات «اللوبى الصهيونى»، التى تتميز بشروط الصفقات، لأنه لم ينس لحظة أنه تاجر كبير يتحرك بمنطق الجشع والطمع والصفقات، فكانت صفقة القرن التى رفضتها الشعوب، ورفضها معظم دول العالم، لأنها لا تقوم على الشرعية الدولية بحل الدولتين «فلسطينية وإسرائيلية»، ولكنها تعتمد على قيام الدولة اليهودية وعاصمتها القدس الأبدية، بل وضم الأراضى المحتلة الفلسطينية عام ١٩٦٧ فى الضفة الغربية والجولان، أى تصفية القضية الفلسطينية، بل وقيام حلف أمريكى صهيونى عربى بداخله الكيان الصهيونى، مع ضمان جعله القوة العسكرية المتقدمة، وزعم أن هذا الحلف ضد دولة إيران التى تهدد مصالح المنطقة، أى أن العدو الصهيونى الذى يقتل ويشرد أبناء فلسطين يوميًا، ويقتلع الزرع ويهدم منازل الفلسطينيين أصبح صديقًا، وأصبحت إيران هى العدو، وهذا يا سادة هو مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذى وقفت ضده الشعوب العربية، لأنه يُحوِّل الوطن العربى إلى دويلات تدور كتروس فى عجلة الاقتصاد الأمريكى لضخ مزيد من الأرباح وتراكمها فى يد القلة الاحتكارية التى تحكم وتتحكم فى العالم كقطب واحد، وهى الولايات المتحدة الأمريكية.
تزداد شراسة ترامب، لأنه يدرك أن هناك أقطابًا صاعدة فى المرحلة المقبلة كقوة اقتصادية استراتيجية، وهى الصين التى تحتل المرتبة الثانية فى الاقتصاد العالمى، بل وفقًا لتعادل القوى الشرائية تعتبر الاقتصاد الأول، لذا كانت معارك الهجوم على الصين وشن حرب تجارية عليها، ولكن واجهتها الصين، هذا بجانب معارك دبلوماسية، ومعركة كبيرة بالهجوم على الصين واعتبارها مسئولة عن تفشى فيروس كورونا، وطبعًا الكل يعرف أن ترامب فشل فشلًا ذريعًا فى مواجهة الفيروس صحيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، وأن الولايات المتحدة الأولى عالميًا فى عدد الإصابات والوفيات. إذا انتقلنا لأحدث هذه المعارك، وليس آخرها، حظر وإغلاق مواقع وشركات صينية إلكترونية، لأن الصين تتفوق فى برامج وشبكات التواصل الاجتماعى، وفى مجال الذكاء الاصطناعى الذى يحكم العالم فى الفترة المقبلة، هذا بجانب تهديد أمريكا الصين بمزيد من التواجد العسكرى فى بحر الصين الجنوبى مع صفقة الأسلحة الأمريكية مع تايوان.
ونأتى إلى المعركة مع روسيا القوة الصاعدة على المستوى العسكرى الاستراتيجى، والتى تواجه أطماع ومخططات أمريكا فى السيطرة والتحكم فى الدول النفطية. وفى إطار مزيد من المعارك الفاشلة كانت معركته مع إيران فى الانسحاب من الاتفاق النووى «٥ +١» فى مايو ٢٠١٨، وتلقى من خلاله ضربتين، الأولى فى رفض الدول الأوروبية الحليفة والصديقة لأمريكا الانسحاب من الاتفاق النووى، ورفض فرض العقوبات على إيران بالالتفاف على قرارات أمريكا واتباع آليات جديدة للتعامل معها، والضربة الثانية فى رفض الدول فى مجلس الأمن القرار الأمريكى بمحاولة مد قرار «حظر تصدير واستيراد السلاح» المفروض على إيران، والذى انتهى فى أغسطس ٢٠٢٠، وضربة أخرى ثالثة برفض محاولة أمريكا استخدام وتفعيل آلية العودة التلقائية «سناب باك» العقوبات الاقتصادية على إيران إذا خالفت شروط الاتفاق النووى.
أضف إلى ذلك معركة أخرى مستمرة حتى الآن، ولكنها فشلت أمام صمود الدولة والنظام والشعب، وهى معركته مع فنزويلا، والتى حاول من خلالها عمل انقلاب فاشل ضد الرئيس المنتخب نيكولاس مادورو، بزرع نظام يمينى تابع لأمريكا ومحقق لمصالحها، وذلك لأن الرئيس «مادورو» يسير على خطى الرئيس الراحل هوجو شافيز المنتمى إلى الشعب الفنزويلى بانتهاج سياسات العدالة الاجتماعية وتحسين أحوال الشعب، وعمل خطط اقتصادية تعتمد على التنمية الإنتاجية الصناعية والزراعية، والوقوف أمام أطماع أمريكا فى ثروات شعوب أمريكا اللاتينية، وأهمها البترول. ولنقرأ معًا كلمات بيان الحزب الاشتراكى المتحد الفنزويلى تحت عنوان «سنهزم خطة ترامب لمقاطعة الانتخابات فى ٦ ديسمبر القادم ٢٠٢٠»، والذى يؤكد فيه: «يرفض الحزب الخطة التى أعلنتها حكومة ترامب لمقاطعة الانتخابات البرلمانية (الجمعية الوطنية) فى ٦ ديسمبر المقرر إجراؤها فى فنزويلا، والتى تثير قلق الصقور فى البيت الأبيض، الذين يصرون على إنهاء الثورة البوليفارية بأى شكل، والتى سنهزمها فى ثلاثة مجالات، وهى، أولًا: مواجهة وباء كورونا وضمان صحة الشعب، وثانيًا: الانتعاش التدريجى للاقتصاد، وثالثًا: هزيمة الخطة الأمريكية بحصار فنزويلا وفرض عقوبات اقتصادية عليها، وذلك بفضل الإرادة الحديدية للشعب الفنزويلى. وهناك معركة داخلية، وهى تأجيج ترامب للعنصرية ضد الأمريكان من أصل إفريقى والمتسبب- حتى الآن- فى مظاهرات فى جميع الولايات الأمريكية ضد العنصرية تحت عنوان «حياة السود مهمة»، كل هذه المعارك ستكون سببًا- من وجهة نظرى- فى ترجيح كفة جو بايدن المرشح الديمقراطى المنافس لترامب، هذا بجانب القلق اليومى العالمى من شطحات ترامب اليومية، والتى ربما تتسبب فى حروب لا نعرف مداها.