رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منير القادري: والأخلاق هي جوهر التصوف

د.منير القادرى
د.منير القادرى

قال الدكتور منير القادري بودشيش، مدير مؤسسة الملتقى ورئيس المركز الأورو متوسطي لدراسة الإسلام اليوم، في مداخلة حول موضوع "الأبعاد الأخلاقية للتربية الروحية، خلال الليلة الافتراضية الثامنة عشرة، المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية بشراكة مع مؤسسة الملتقى ومؤسسة الجمال، أن التجربة الصوفية في جوهرها هي تجربة روحية مفعمة بصدق العاطفة، وإخلاص التوجه إلى الله وعمق الإيمان، عمادها الشريعة الإسلامية المتمثلة في القرآن والسنة، ومنطلقها التجرد من علائق الدنيا، وغايتها امتلاء القلب بأنوار المحبة الإلهية.

وأوضح مدير مؤسسة الملتقى ورئيس المركز الأورو متوسطي، أنه سيحاول في مداخلته بناء تصور للأبعاد الأخلاقية في التربية الروحية، انطلاقًا من أن الغايةَ مِن البعثةِ المحمديةِ هي تمامِ صالحِ الأخلاقِ، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم "إنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلَاقِ"، ولأن التصوف هو الدخول في كل خلق سني، والخروج عـن كل خلق دنيء.

وأشار "القادري" إلى أن هذه الأخلاق شكلت مصدر إعجاب للباحث والمستشرق "Clément Huart" كليمان هوارت، مما دفعه إلى القول: "لم يكن محمدٌ نبيًا عاديًا، بل استحق بجدارة أن يكون خاتم الأنبياء، لأنه قَابَلَ كل الصعاب التي قابلت كل الأنبياء الذين سبقوه مضاعفة من بني قومه، بل لأنه نبي ليس عاديًا، ولو أن المسلمين اتخذوا رسولهم قدوة في مكارم الأخلاق لأصبح العالم مسلمًا"، وذكر أن المستشرقين خصوصًا والغربيين عمومًا وجدوا في التصوّف بسموّه وتعاليه وقيمه الأخلاقية والروحية علاجًا لأدواء الحياة المعاصرة، لما فيه من روحانية عالية وأبعاد إنسانية سامية وقيم أخلاقية راقية.

وأضاف أن الأخلاق هي جوهر التصوف علمًا وعملًا، موردًا مقولة لابن القيم الجوزية عن التصوف "وقد اجتمعت كلمة الناطقين في هذا العلم، أن التصوف هو الخلق"، وشدد على أن التصوف في هذا المجال ذو ثراء روحي استثنائي لأنه يستجيب لحاجة في قرارة النفس الإنسانية تجد إشباعها في روحانيته العميقة، وهو ما يفسر الإقبال على التصوف الذي هو مقام الإحسان من كثير من الناس الذين يتدبّرون قيمه الروحية ويطمحون في قيام علاقة قرب وأنس بالله ومع الله مصداقًا لقوله تعالى ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾، تلك العلاقة التي تسمو على ما سواها من علائق الدنيا ومُتَعها ومباهجها.

وأوضح أنَّ حاجةَ العبدِ المؤمنِ إلى حُسْنِ الخُلُقِ كحاجتِهِ إلى الهواءِ، بل أشدّ؛ لأنَّ فقْدَ الهواءِ يعني موتَ البدنِ، وفقْدَ الخُلُقِ الحَسَنِ يعني موتَ القلبِ، وفي موتِ القلبِ فَقْدُ الدينِ والخسران المبين، وأكد أن الصوفي المحسن يعيش الحياة المادية ولكنّه دائم التعبّد والتفكّر والذكر، يقبل على العبادة باجتهاد، ويحاول أن يكون أكثر استقامة وأكثر إحسانًا وتسامحًا، وخدمة للإنسانية.

وأشار إلى أن الصوفية أدركوا أن الإسلام في جوهره أخلاق بين العبد وربه، وبين العبد ونفسه، وبينه وبين مجتمعه، فالإيمان بالله لا يلتقي مع الأخلاق الدنيئة كالكذب والرياء وحب الشهوات، لذلك وجهوا اهتمامهم إلى الأخلاق وذهبوا إلى أن أي علم لا يقترن بخشية الله لا جدوى منه فكانت الأخلاق أهـم ثمار التصوف.