رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحديات وإنجازات


كان انفعال الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال افتتاحه مجموعة من المشروعات القومية فى نطاق محافظة الإسكندرية، مؤشرًا على وجود العديد من التحديات ما زالت الأجهزة المعاونة عاجزة عن مواجهتها، رغم كل الصلاحيات التى منحها لها الرئيس، خاصة فيما يتعلق بضبط مخالفات البناء، سواء على الأراضى الزراعية أو البناء دون ترخيص، علمًا بأن الدولة لا تألو جهدًا فى توفير السكن المناسب للمواطنين، حفاظًا على الرقعة الزراعية التى تمثل محاصيلها أمنًا قوميًا لمنظومة الغذاء فى مصر.
إن العشوائيات والتجاوزات التى تعرضت لها البلاد فى السنوات العشر الأخيرة أصبحت تمثل خطرًا على أمن البلاد وسلامة العباد، الأمر الذى جعل هناك ضرورة أن تتصدى لها الدولة بجميع أجهزتها لمواجهة هذا الخطر، حيث تمثل مخالفات البناء من وجهة النظر الأمنية خطورة كبيرة، لا تقل بالفعل فى خطورتها عن العمليات الإرهابية، بل إن العشوائيات التى كانت تنتشر فى العديد من المناطق والأحياء تعتبر معامل تفريخ مستمرة لإنتاج العناصر المتطرفة بل والإرهابية، نتيجة الفقر والجهل اللذين ينشأ عليهما أطفال وشباب تلك المناطق، حيث إن معظمهم يتولد لديه الشعور بأنه مواطن من الدرجة الثانية، وهو الأمر الذى تترتب عليه سهولة تجنيده والسيطرة عليه لصالح الجماعات الإرهابية أو المتطرفة، من ناحية أخرى فقد انتشر نتيجة تلك المخالفات العديد من الظواهر السلبية والغريبة عن قيم ومبادئ الشعب المصرى، مثل زنا المحارم وممارسة الدعارة، وهو الأمر الذى يهدد مستقبل شباب الوطن.
القضية من وجهة نظرى ليست فى مخالفات البناء فقط، ولكن فى تداعيات ذلك، كما أشرنا، ناهيك أيضًا عن استخدام العنف وأعمال البلطجة للحيلولة دون مواجهة التجاوزات فى مجال الاستيلاء على أراضى الدولة والبناء عليها بغير وجه حق.
أتصور أن ما تقوم به الدولة حاليًا هو الأسلوب الأقرب للمنطق، بعدما ظهر لنا تقاعس المخالفين عن التجاوب مع تلك النداءات المتكررة للتعامل بشفافية وإيجابية معها، إضافة إلى تبنى بعض السادة نواب البرلمان وجهة نظر المخالفين، لما يمثلونه من كتلة تصويتية يمكن الاستناد إليها فى الانتخابات المقبلة.
يبقى دور الإعلام فى التوعية والمحليات فى التنفيذ والأجهزة الأمنية فى المساعدة على حماية وتأمين القائمين على إزالة تلك التعديات والمخالفات بالشكل الذى يحقق الهدف من تدخلهم والعمل على سلامتهم وأيضًا سلامة المواطنين الذين يحاول البعض إثارتهم لمواجهة جهود الدولة فى هذا المجال.
وعلى صعيد الإنجازات غير المسبوقة، التى تحققت خلال الأيام القليلة الماضية، وفى ضربة أمنية نوعية غير مسبوقة، تمكنت أجهزة الأمن المصرية من القبض على القيادى الإخوانى الإرهابى محمود عزت، النائب الثانى لمرشد جماعة الإخوان الإرهابية والقائم بأعمال المرشد حاليًا ومسئول الاتصال مع التنظيم الدولى للجماعة فى الخارج، وهو أحد صقور الجماعة، والذى يعتنق فكر العنف والإرهاب كوسيلة لتمكين الجماعة، ويعتبر العقل المدبر لمعظم العمليات الإرهابية التى ارتكبتها الجماعة منذ ٢٠١١ حتى الآن، ويطلق عليه داخل جماعته «صقر الإخوان» «الناب الأزرق»، وكان حلقة الوصل بين الجماعة وحركة حماس إبان عملية اقتحام السجون، ويعتبر الأب الروحى لتلك الحركة، لما يتمتع به من دهاء وعنف وخبث، وهو ما تتصف به قيادات حركة حماس الفلسطينية جميعها.
قد لا يدرك البعض مدى خطورة هذا الرجل، ويتصور أن القبض عليه يأتى فى إطار طبيعى بورود معلومات تفيد بمحل إقامته مثلًا، وبالتالى تم القبض عليه، إلا أن من يعمل فى مواجهة ومحاربة الكوادر القيادية الإخوانية، خاصة أمثال محمود عزت يدرك تمامًا مدى صعوبة ذلك، لما يتمتع به من دهاء خارق، سواء فى التخفى أو الاختباء أو أساليب الاتصال والتواصل مع أتباعه ومرءوسيه، وهو ما تبين عند عملية ضبطه، حيث عثر على شفرات مختلفة وأجهزة اتصالات تليفونية متصلة بالأقمار الصناعية، كما أنه تمكن من خلال وسائل التواصل الاجتماعى وشبكاته العنكبوتية من الإيحاء بأنه متواجد خارج البلاد، وينتقل فيما بين السودان واليمن تحديدًا، وعلى الرغم من كل ذلك فقد تمكن رجال الأمن الوطنى من تحديد أماكن اختبائه، وأقول أماكن وليس مكانًا واحدًا، وكذلك رصد جميع اتصالاته وتوجيهاته إلى أن صدرت التعليمات بالقبض عليه.
إن عملية ضبط الإرهابى الإخوانى محمود عزت لا تقل، من وجهة نظر من يعمل فى هذا المجال، عن مقتل أبوبكر البغدادى أو أسامة بن لادن، فهذا الرجل استطاع الحفاظ على تنظيم الإخوان فى أصعب مرحلة من تاريخ الجماعة، وهى مرحلة سقوطها فى ٢٠١٣، وعمل على محاولة إعادة بنائها معتمدًا على استراتيجية جديدة تقوم على تربية جهادية من خلال أدبيات جديدة، مثل كتاب «فقه المقاومة الشعبية»، والذى يوضح الجانب الشرعى فى قتل ضباط الشرطة والجيش من وجهة نظر التنظيم فى فهم الإسلام، وإنشاء لجان نوعية عسكرية تمثل «التنظيم الخاص الجديد للجماعة»، لقد جاء قرار ضبط الإخوانى محمود عزت بعد فترة زمنية من رصده بمعرفة جهات الأمن واستخدامه كصندوق معلوماتى، إلى أن أصبح غير مفيد أمنيًا حاليًا وليست مجرد ضربة أمنية عشوائية، وهو ما حدث تمامًا عند ضبط القيادى الإخوانى محمد على بشر، والذى تولى قيادة التنظيم عقب فض اعتصام رابعة واستخدامه أيضًا كصندوق أسود للأمن الوطنى، وتحققت من خلاله ضربات أمنية موجعة للتنظيم.
كان الإرهابى محمود عزت تحت أعين أجهزة الأمن لفترة طويلة، وسوف تكشف التحقيقات فى الأيام المقبلة كيف ترتب على ذلك العديد من الضربات الأمنية الاستباقية الناجحة، بعضها لم يعلن عنه حتى الآن وبعضها قد لا يعلن عنه، نظرًا لحساسيته وأهميته، ويكفى هنا أن نشير ونتساءل عن تنظيم حركة حسم وعناصره.. هل ما زال بنفس قوته التى بدأ بها وأين أغلب عناصره الآن؟
يبقى هنا أن نشير إلى أن عملية ضبط الإرهابى محمود عزت، على الرغم من كونها تمثل ضربة موجعة للتنظيم وسوف تترتب عليها تداعيات سلبية على جميع مخططات الجماعة فى الداخل والخارج، فإننا يجب أن ننبه بما لدينا من خبرة فى مجال مكافحة هذا التنظيم الإرهابى بأن تلك الجماعة لم تنته بعد، ولن يتم القضاء عليها بسهولة، وأن أجهزة الأمن تبذل جهودًا جبارة لتحقيق هذا الهدف بإذن الله، ومن هنا فإننا يجب أن نوجه تحية وتقديرًا واحترامًا لجهاز الأمن الوطنى، ونشد على أيديهم فى انتظار المزيد من الضربات الأمنية الناجحة التى تسعد وتطمئن الشعب المصرى بجهازه الأمنى القومى.
وتحيا مصر.