رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ملاحظات حول نظام الرقمنة


صحيح أن العالم يتجه إلى نظام الرقمنة، وأن استخدام الكروت قد أصبح هو الوسيلة الحديثة للتعاملات النقدية، وفى تعاملات البيع والشراء ودفع الفواتير ودفع المستحقات للمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وصحيح أنه نظام مستخدم منذ سنوات كوسيلة آمنة، بدلًا من النقود بشكل عام فى الدول المتقدمة.
وصحيح، أصبح هذا الأمر واقعًا نعيشه ونحسه ونراه أمامنا، إذ يحدث كل ذلك ونحن نتحرك فى اتجاه بناء دولة متقدمة وحديثة أصبحت لها مكانة محترمة وسط العالم الحديث، وصحيح أننا نعيش ونحس بإنجازات فى كل يوم تنفذ على أرض الواقع فى مختلف المجالات نحو أهداف التنمية المستدامة، وأن الرئيس «السيسى» استطاع أن ينفذ مشروعات عملاقة بسرعة قياسية من: مشروعات إسكانية، وإنشاء شبكة طرق واسعة تصل إلى ٧ آلاف كيلو متر، وكبارى تبلغ تكلفتها ٣٧٧ مليار جنيه، ومدن جديدة وحفر قناة السويس الجديدة ومشروعات زراعية وغذائية، وتسليح القوات المسلحة، بحيث أصبحنا تاسع أقوى جيش فى العالم.
وصحيح أننا قد استطعنا، من خلال رجال جيشنا وشرطتنا البواسل، التصدى للإرهاب الأسود، والدفاع عن الشعب ضد الجماعات المتطرفة التى كانت تتخذ من الدين ستارًا لتنفيذ مخططاتها التدميرية، وصحيح أنه قد أصبحت لدينا أقسام شرطة متطورة، وبها أحدث الوسائل التكنولوجية الحديثة، وصحيح أننا فى مجال التعليم، قد خطونا نحو التعليم الحديث بسرعة قياسية.
نعم تحقق لنا الكثير من النجاحات والإنجازات فى مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والتعليمية، إلا أننا الآن نتجه بسرعة شديدة نحو تغيير أسلوب حياة الشعب المصرى، كباره وصغاره وشبابه، باستخدام نظام الرقمنة والكروت والوسائل التكنولوجية الحديثة فى كل المجالات، وهنا أطالب الدولة بأن تنظر بعين الاعتبار إلى عدة اعتبارات مهمة وهى تخطو بسرعة كبيرة نحو تغيير نظام حياة المصريين بالكامل، وهى سرعة، فى تقديرى، مبالغ فيها، إذ ينبغى أن تتم بإيقاع أبطأ من الإيقاع الحالى.
ولى هنا عدة ملاحظات، استقيتها من أرض الواقع، ومن خلال حوارات مع كثير من المواطنين، من فئات مختلفة، وليس من فئة واحدة، وهى حاليًا حديث المجتمع المصرى، أولاها:
- أن يتم ذلك التغيير نحو نظام الرقمنة والكروت بالتدريج، وأن يتم ذلك بعد حملة توعية على نطاق واسع فى الإعلام والقنوات الأكثر مشاهدة حول كيفية التعامل مع الوسائل التكنولوجية الحديثة، وذلك حتى يتمكن البسطاء، ممن لم يتعاملوا مع التكنولوجيا الحديثة، من استيعابها وفهمها، كى لا تأتى بنتائج عكسية تسبب لهم مشاكل، هم فى غنى عنها، نظرًا لعدم الإلمام الصحيح بكيفية استخدامها بطرق آمنة.
ثانيتها: ما زلنا نعانى من نسبة أمية كبيرة، ومن عدم وعى بمستجدات العصر الحديث ومتطلباته، وفى هذا الصدد أطرح عدة علامات استفهام: هل الفلاح البسيط فى القرية، الذى لم يتلق تعليمًا من قبل ويعيش بالفطرة، سيتمكن من دفع احتياجات أسرته من البقال أو السوبر ماركت بالكارت؟
وهل سيتمكن من دفع فاتورة الكهرباء لمنزله البسيط من خلال استخدام النت؟.. وهل السيدة الأرملة المسنة ربة البيت، التى لا تعمل، وليس أمامها مجال للعمل أو للتعلم، والتى تعيش بعد وفاة زوجها بمفردها بعد أن تزوج أبناؤها، هل هذه السيدة ستتمكن من أن تقبض معاشها الشهرى من خلال الكارت البنكى؟.. وهل ستستوعب كيفية استخدام التكنولوجيا الحديثة؟، هذه ناحية.
أما الناحية الأخرى، وبنفس المنطق، نسأل: هل الرجل المسن، بعد أن يتقاعد، ولديه معاش شهرى ولم يتعلم استخدام الكمبيوتر، سيتمكن من صرف معاشه من خلال الكارت؟.. وهل ستمكنه ظروفه هذه من أن يدفع فاتورة الكهرباء المغالى فيها، من خلال النت؟.. ولمن سيشكو من فاتورة الكهرباء المغالى فيها إذا ما وجدها قد ارتفعت وفقًا لأهواء موظف فاسد، يضع له رقمًا مغالى فيه، يزيد عن استخدامه الشهرى؟!
ثالثتها: هل سيتمكن البسطاء من استخدام الكروت فى كل معاملاتهم اليومية؟.. فعلى سبيل المثال لا الحصر، هل سيتمكن البائع البسيط أو البقال البسيط من أن يأخذ حقه من خلال استخدام ماكينة الكروت البنكية من الزبائن البسطاء الذين يأتون لشراء احتياجاتهم اليومية البسيطة وفقًا لقدرتهم المادية المتواضعة؟!
وهل ستتمكن المرأة المعيلة البسيطة، صاحبة المشروع الصغير، والتى كثيرًا ما تعمل من منزلها لتوفير احتياجات أبنائها الصغار، من استخدام النت والكروت فى كل كبيرة وصغيرة؟!
إنها بضع ملاحظات أولية طرأت على بالى، وأنا أتابع السرعة الشديدة المبالغ فيها، التى تتجه بها الدولة نحو استخدام النظام الرقمى والكروت والوسائل التكنولوجية الحديثة، واستخدام الكروت البنكية بدلًا من النقود، دون أن تضع فى اعتبارها، أن المواطن المصرى فى حاجة ماسة إلى التدرج فى استخدام هذه الوسائل، وفى حاجة إلى توعية وتدريب على استخدام التكنولوجيا الحديثة.
فهناك قطاعات كبيرة من الشعب المصرى، لم تتعلمها ولا تعرف كيفية استخدامها، وبالتالى يصعب عليهم استخدامها فورًا وبالسرعة التى نتابعها الآن.. وهناك نسبة كبيرة من غير المتعلمين، يتعذر عليهم استيعاب التكنولوجيا الحديثة، لذلك لا بد من ترك هامش فى التعامل النقدى يتيح للبسطاء من التعامل المعتاد مع احتياجاتهم اليومية.
رابعتها: ما زالت لدينا مصالح حكومية متهالكة تتعامل مع الجمهور بشكل سيئ، مثل مكاتب الشهر العقارى مثلًا، والتى فى حاجة إلى توفير موظفين أكفاء وتدريب، وتأهيل للعاملين الحاليين فيها على التكنولوجيا الحديثة، وتوفير خدمات أفضل للجمهور المتعامل فى مصالح حيوية معها.
ونفس الملاحظة أقولها على المستشفيات الحكومية، والمدارس الحكومية، وموظفى وزارة الكهرباء، بأننا فى حاجة شديدة إلى وضع سياسات تضع فى اعتبارها مراعاة قدرة المواطن المصرى، والمواطنة المصرية حاليًا على التعامل مع الوسائل التكنولوجية الحديثة قبل تطبيقها أو تعميمها عليهم بهذه السرعة.