رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العريان.. الرجل الذى مات مرتين


عصام الدين محمد حسين محمد الشهير «بعصام العريان» هذا الرجل الذى توفاه الله وهو فى السجن يقضى عقوبته كانت له قصة، والقصة يجب أن نرويها حتى لا تضيع فى زوايا التاريخ المغلقة، ولا تظنن أن العريان كان مؤثرًا، ولا تظن أنه كان شخصية هامشية، ولكنه كان بين هذا وذاك، فقد كان «كالمُنْبَتَّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى» أى أنه وقف عاجزًا فى منتصف الطريق، ولم يستطع تحقيق مآربه رغم الجهد الكبير الذى بذله، وقد كانت مآرب عصام العريان كثيرة لا تُعد ولا تُحصى، بل تستطيع القول إنه كان أكثر الشخصيات الإخوانية طموحًا، فقد كانت تراوده منذ أن رأى المرشد الثالث عمر التلمسانى أحلام الزعامة الإخوانية، وطموحات الوصول إلى موقع المرشد، ولكنه فى الوقت نفسه أكثر الشخصيات الإخوانية التى تعرضت للإبعاد والتهميش حتى لا يصل إلى عضوية مكتب الإرشاد عملًا بمبدأ «طالب الولاية لا يُولَّى»، ففى انتخابات مكتب الإرشاد عام ١٩٩١ لم ينل عصام العريان أصواتًا كافية تؤهله للنجاح، فى الوقت الذى نجح فيه قرينه عبدالمنعم أبوالفتوح، صحيح كان العريان قاب قوسين أو أدنى من النجاح إلا أن محمود عزت وخيرت الشاطر تفوقا عليه.
كانت مشكلة العريان أنه ظل محسوبًا على فريق قسم المهنيين داخل الجماعة، وهذا الفريق كانت الجماعة تستخدمه من أجل التأثير على الرأى العام، ولكن الفريق الأقوى هو الذى كان يملك أوراق اللعبة داخل التنظيم، وهو فريق «التنظيم الخاص» الذى تربى على يد مصطفى مشهور، وأخذ منه البراعة التنظيمية، والقدرة على حبك المؤامرات، وبعد قضايا ١٩٩٥ و١٩٩٦ الإخوانية، والتى تم حبس عصام العريان وخيرت الشاطر وعبدالمنعم أبوالفتوح فيها، تغيرت بعض الأوضاع داخل التنظيم، ففى الوقت الذى كانت فيه هذه القضايا وبالًا على المحبوسين إلا أنها كانت خيرًا ونعيمًا على بعض الإخوان المحظوظين الذين تم تصعيدهم لعضوية مكتب الإرشاد بسبب حبس عدد من أعضاء المكتب، وبالتالى عدم قدرتهم على القيام بأعباء مناصبهم تطبيقًا لقاعدة «لا ولاية لأسير»، فبعد أن تم حبس عدد من أعضاء مكتب الإرشاد فى منتصف التسعينيات تم تصعيد كل من محمد بديع ومحمد بشر إلى عضوية مكتب الإرشاد، وبالطبع لم يكن عصام العريان ممن تم تصعيدهم لأنه كان محبوسًا على ذمة قضية ١٩٩٥.. وبعد انتهاء مدة العقوبة فى هذه القضايا أصدر المرشد الخامس مصطفى مشهور قرارًا بتصعيد بعض الأفراد لعضوية مكتب الإرشاد دون الاستناد إلى اللوائح التنظيمية للجماعة، وبطبيعة الحال لم يكن عصام العريان ممن تم تعيينهم، أما محمد مرسى، عضو مجلس الشعب وقتها، فقد كان هو أبرز من تم تصعيده، فمرسى على ضحالة فكره وغباء منطقه وسطحيته، إلا أنه كان التلميذ الوفى لمصطفى مشهور.
وبعد سنوات من الظهور فى القنوات الفضائية والتحدث باسم الإخوان ظن العريان أن الفرصة سنحت له، ولكن اتضح أنه كان واهمًا، فقد سنحت الفرصة لغيره، حيث تم فى الألفية الجديدة تعيين الشيخ «صبرى عرفة» شيخ خيرت الشاطر وأستاذه عضوًا بمكتب الإرشاد، ومن بعده نال عضوية مكتب الإرشاد، التى هى حلم كل إخوانى وبغيته ومراده، كل من سعد الكتاتنى وسعد الحسينى وأسامة نصر ومحمد عبدالرحمن ومحيى حامد، أما عصام العريان الذى كان يرى أنه الأحق فقد جلس يغنى أغنيته الشهيرة «ظلموه».
ويأتى عام ٢٠٠٩ وهو يحمل العديد من المفاجآت فى مدينة الإخوان، إذ دون مقدمات، وقبل انتهاء فترة المرشد السابق مهدى عاكف، خرجت فجأة حملة رسائل من الهواتف المحمولة وصلت إلى آلاف الرسائل والمرسلة إلى الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان تطالب بتصعيد عصام العريان لعضوية مكتب الإرشاد بعد وفاة محمد هلال أكبر أعضاء مكتب الإرشاد، حينها بدأ الغضب داخل التنظيم يطول قيادات بعينها، وفى ذات الوقت ترددت اتهامات للعريان بأنه هو نفسه وراء هذه الحملة، خاصة أن معظم من أرسل هذه الرسائل هم من إخوان الجيزة ومن منطقة ناهيا، التى ينتمى إليها عصام العريان، وأعلنت قيادات الإخوان استياءها من هذه الحملة وأبدى الحاج لاشين أبوشنب القيادى التاريخى غضبه الشديد منها ورفضه لهذه الطريقة، خاصة أن محمد هلال على حد قول لا شين أبوشنب «لم يستقر جسده بعد فى التراب»، ولم يجد العريان من يدافع عنه اللهم إلا تصريحًا يتيمًا خرج من المرشد عاكف يبرئه من هذه الحملة رغم أن العريان نفسه لم يرفض هذه الرسائل بل صرح لجريدة «المصرى اليوم» أنه هو نفسه تلقى هذه الرسالة، وأنه قام بإخبار إبراهيم الزعفرانى بأمرها!!.
أكدت هذه الحملة أن العريان هو رجل بلا جذور فى جماعة تحركها الأهواء، أما السبب الذى جعل العريان هو الرجل الذى ليس له جذور فى جماعته فهو تاريخ هذا الرجل فى الجماعة وفكره، أما عن تاريخه فقد ولد العريان فى ٢٨٤١٩٥٤ بقرية ناهيا مركز إمبابة بمحافظة الجيزة، ومثل جميع الأطفال التحق بالتعليم الابتدائى بمدرسة ناهيا الابتدائية للبنين، وأتمَّ دراسته فى مراحل التعليم الابتدائى والإعدادى والثانوى ثم التحق بكلية الطب جامعة القاهرة، وما إن التحق بكلية الطب بجامعة القاهرة حتى أصبح عضوًا بالجماعة الإسلامية وتعرف على الطالب عبدالمنعم أبوالفتوح الذى كان هو أعلى رأس فى قيادة العمل الطلابى «الموصوف بالإسلامى»، وبعد سنوات ترقى العريان فى موقعه بالجماعة الإسلامية بالجامعة حتى أصبح أميرًا للجماعة الإسلامية فى جامعة القاهرة كلها، ولكنه كان تحت إمرة الطالب حلمى الجزار، القيادى الإخوانى فيما بعد، الذى كان وقتها أميرًا للجماعة الإسلامية فى الجامعات المصرية كلها، عندما تعرف عصام العريان على عمر التلمسانى مرشد الإخوان وقتها لازمه وتأثر به وأصبح يشار إليه بأنه أحد أبناء التلمسانى، ثم دخل العريان مجلس الشعب ممثلًا للإخوان عام ١٩٨٧، وقتها أثار العريان الدنيا كلها عندما زعم أنه وهو عضو بالبرلمان صفعه أحد رجال الشرطة على وجهه إلا أنه لم يستطع إثبات زعمه، وظهر الأمر أمام الرأى العام أن العريان يحاول توجيه الأضواء إليه، وهو الأمر الذى تفوق فيه العريان طوال عمره، حتى إنه كان يشار إليه بأنه رجل «الميديا» داخل الإخوان، وقبل عضويته بمجلس الشعب اُنتخب عضوًا بمجلس نقابة أطباء مصر منذ عام ١٩٨٦ وشغل موقع الأمين العام المساعد، إلا أنه كان يشغل مواقعه فى نقابة الأطباء تحت إدارة عبدالمنعم أبوالفتوح، ولم يحدث أبدًا أن كان هو الرجل الأول حتى فى قسم المهنيين داخل الإخوان، أو قسم الطلبة، أو حتى فى المكتب الإدارى لمحافظة الجيزة، كان العريان هو الرجل الثانى أو الثالث.. فقط عندما كان متهمًا فى قضية عام ١٩٩٥ كان هو المتهم الأول فيها، وكان الشاطر وغيره هم باقى المتهمين.
وقبل أحداث يناير ٢٠١١، وفى أول أيام عيد الفطر، فجر العريان مفاجأة من عيار «مفرقعات العيد» عندما صرح لصحيفة «الحياة» اللندنية، ومن بعدها لموقع «إسلام أون لاين»، أنه فى حال وصول الحزب المرتقب للإخوان إلى السلطة فى مصر فإنه سوف يتعامل بواقعية سياسية مع إسرائيل، حيث ستحكم البرجماتية حركة هذا الحزب، وهو ما يفسر بوضوح، على حد قول العريان، ذلك النص الذى ورد فى برنامج الحزب بأن الإخوان يؤكدون على احترام الحزب لكل الاتفاقات والمعاهدات الدولية التى وقعتها مصر!!.
وتدور الأيام دورتها ويصل الإخوان للحكم، ثم أسقطهم الشعب بثورة ليس لها مثيل، وأثناء اعتصامهم الآثم فى مدينة نصر حدث أن تقابلت خلال شهر رمضان، قبل فض اعتصام رابعة، مع «عصام العريان» مصادفة فى مقر إحدى شركات الهاتف المحمول فى مدينة نصر، حيث كنت أنهى شأنًا من شئونى فى تلك الشركة، فتجاهلته ولكننى وجدته يربت على كتفى ويقول: سنعود للحكم خلال شهر، وقتها ستكون من طليعة الصف الأول الذى سيُعلَق على أعواد المشانق.
فقلت فى نفسى سبحان الله، هؤلاء يوزعون أقدار الله على هواهم، ولكن آية الله التى لم يفهمها الإخوان ولن يفهمونها كانت فى موت العريان داخل سجنه، أما الآية فكانت بدايتها بين عمرو موسى وعصام العريان أثناء حكم الإخوان، ومبارك وقتها كان سجينًا، يعانى من المرض والشيخوخة، ولأن الشفقة أخذت بعمرو موسى لذلك قال للعريان: «ما تفرجوا يا دكتور عصام عن حسنى مبارك، الراجل دخل على التسعين من عمره وهو مريض» فرد العريان بصلف وغرور وجبروت وكأنه بالونة منتفخة: «مبارك لن يخرج من السجن إلا للقبر وده كلام نهائى».
يا سبحان الله، دخل العريان فى عالم الغيب وعرف النهايات، وتجرأ على الله سبحانه، فإذا بمبارك يخرج من السجن إلى بيته، أما العريان فقد خرج هو من السجن إلى القبر، لذلك لا يجوز لنا ونحن فى مقام الحديث عن موت عصام العريان أن نقول إنه مات مؤخرًا فى سجن طرة عقب مشادة مع أحد قيادات الجماعة، ولكنه مات عندما دخل سجن الإخوان عام ١٩٧٦، فجماعة الإخوان مقبرة، الداخل إليها ميت والخارج منها حى، وإنا لله وإنا إليه راجعون.