رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

براءة 3 أشباح.. وميت لم يمت!


هذا العنوان المُلغز، نراه الأنسب لتلك القضية المعقدة، قضية اغتيال رفيق الحريرى، رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق، التى استغرق التحقيق فيها، ومحاكمة المتهمين بارتكابها، أكثر من ١٥ سنة، وبلغت تكلفتها حوالى مليار دولار، ثم تمخضت المحكمة الدولية، التى تشكلت بقرار من الأمم المتحدة، فأدانت شبحًا، وأسقطت الاتهامات عن ميت، مشكوك فى وفاته!
المحكمة قالت إن الأدلة تشير إلى تورط سليم عياش فى مؤامرة الاغتيال، فى حين لا توجد أدلة تثبت تورط ٣ متهمين آخرين فى القضية. كما «لا توجد إثباتات بشأن من وجّه عياش والآخرين». وكان الأشباح الأربعة، وخامسهم قائدهم، متهمين بقتل ٢٢ ومحاولة قتل ٢٢٦ آخرين، عمدًا، فى ١٤ فبراير ٢٠٠٥، باستعمال شاحنة ملغومة محملة بثلاثة أطنان من مواد شديدة الانفجار، استهدفت موكب رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق، وسط العاصمة اللبنانية بيروت، وكان لطيفًا وظريفًا أن تصف المحكمة الدولية تلك الجريمة بأنها «عملية إرهابية» تم تنفيذها لأهداف سياسية!
النطق بهذا الحكم تم تأجيله لمدة أحد عشر يومًا، بزعم تضامن المحكمة الدولية الأممية مع الشعب اللبنانى إثر تفجيرات مرفأ بيروت، التى وقعت منذ أسبوعين، وأسفرت عن مقتل حوالى ١٨٠ شخصًا وإصابة أكثر من ٦ آلاف، وأغرقت البلد الشقيق فى أزمات سياسية واقتصادية أعمق من تلك التى كان، ولا يزال، يعانى منها، منذ سنة، بحسب تقدير البعض، بينما نرى أنها بدأت منذ إقرار قاعدة التمثيل الطائفى، التى كان من المفترض إلغاؤها خلال «فترة انتقالية»، بدأت مع توقيع الاتفاق، سنة ١٩٨٩، ولم تنته إلى الآن.
فى ٢٠١١ أعلنت المحكمة عن اتهام ٤ أشباح، أو أعضاء «حزب الله» اللبنانى، بالتورط فى عملية الاغتيال، وربطت لائحة الاتهام بينهم وبين الهجوم بـ«أدلة ظرفية مستقاة من سجلات تليفونية». وفى ٢٠١٢، تم توجيه الاتهام لشبح خامس، ينتمى للحزب نفسه، وإلى الآن، لا توجد أى معلومات عن الشبح المدان، سليم عياش، أو عن الثلاثة الآخرين، حسين عنيسى، أسد صبرا، وحسن حبيب مرعى. إذ لا يعرف أحد أماكن تواجدهم، ولا يمكن القطع بأن تلك هى أسماؤهم الحقيقية. أما خامسهم، أو قائدهم، مصطفى بدرالدين، الذى قيل إنه خطط للجريمة وأشرف على تنفيذها، فأعلن «حزب الله» عن مقتله، فى ١٤ مايو ٢٠١٦، نتيجة «قصف مدفعى قامت به الجماعات التكفيرية»، قرب مطار دمشق الدولى.
قرار المحكمة الدولية، فى يوليو ٢٠١٦، بوقف الإجراءات ضد بدرالدين، لم يقطع بوفاته، لأنه أشار إلى «إمكانية استئناف الجلسات ضده لو تبين أنه لا يزال على قيد الحياة»، وفى ٢٠١٨ نقل موقع «بيروت أوبزرفر»، عن مصدر مخابراتى غربى، أنه لا يزال حيًا، ويقيم فى اليمن، بجواز سفر سورى باسم «صلاح محيى الدين»، ما يضيف اسمًا جديدًا إلى المذكور بعد إلياس صعب، وسامى عيسى، وذوالفقار!
قبل سنة من صدور قرار المحكمة، أى فى ٢٠١٥، نقلت جريدة «نيويورك تايمز» عن مصادر مخابراتية، أن الرجل، ذا الأسماء الخمسة، عاش حياتين منفصلتين: الأولى سرية، عمل فيها قائدًا لـ«الوحدة ١٨٠٠»، التى نفذت عمليات لحزب الله داخل وخارج لبنان، من بينها عملية اغتيال الحريرى، قبل أن يصبح القائد العسكرى السابق للحزب، خلفًا لصهره عماد مغنية، بعد اغتياله فى دمشق سنة ٢٠٠٨، أما الحياة الثانية، العلنية، فكانت لتاجر مجوهرات اسمه سامى عيسى، قدمه اليمنى عرجاء، يرتدى معظم الوقت قبعة بيسبول، ويتنقل برفقة حراس شخصيين!
أما الشبح المُدان، سليم عياش، فقيل إنه مسئول عسكرى فى «حزب الله»، وجاء فى قرار اتهامه أنه كان مسئولًا عن الخلية التى نفذت عملية الاغتيال، وشارك شخصيًا فى التنفيذ، كما اتهمت المحكمة حسين عنيسى بالمشاركة فى العملية، وحين زعم محاموه، فى مارس ٢٠١٨، أن الادعاء لم يقدم أدلة كافية لإدانته، أكدت المحكمة أن لديها ما يكفى من الأدلة التى تؤكد أنه كان يعلم مسبقًا بخطة الاغتيال، والاتهامات نفسها وجهتها المحكمة لأسد صبرا وحسن حبيب، وقررت المحكمة ملاحقتهم، منذ سنوات، كما قدم فريق الادعاء، فى ١١ سبتمبر ٢٠١٨، خلال مرافعاته النهائية، أدلة مادية وفنية «لا تقبل الشك» كشفت عن تحركات المتهمين قبل وخلال وبعد تنفيذ الجريمة.
وتبقى الإشارة إلى أننا لم نعرف، بعد، العقوبة التى ستقضى بها المحكمة، فى وقت لاحق، ضد الشبح المدان، وبما أن تلك المحكمة لا تعاقب بالإعدام، فإن العقوبة قد تكون غالبًا هى السجن مدى الحياة، وقطعًا، لن يتم تنفيذها، لأن ذلك الشبح، لن يتم تسليمه «ولو بعد ٣٠٠ سنة»، بحسب تعهد حسن نصرالله، أمين عام «حزب الله»، فى خطاب تليفزيونى ألقاه بعد أيام من صدور قرار الاتهام ضد الأشباح الأربعة!