رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كواليس الاتفاق التاريخى بين الإمارات وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة

الاتفاق بين الإمارات
الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل

خلال اجتماع الحكومة، أمس، قطع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، الاجتماع وغادر الجلسة قليلًا، ثم عاد وقال للجالسين مبتسمًا: «هناك شىء تاريخى سأعرضه لكم بعد قليل»، وذكرت بعض التقارير أن مغادرة الاجتماع كانت لتلقى مكالمة مفاجئة من الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب. ورغم أن أحاديث «نتنياهو» عن الأحداث التاريخية أمر متكرر ولا تثير دهشة من يعرفه، فإن الحدث كان تاريخيًا بالفعل هذه المرة، بعد النجاح فى الوصول إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، برعاية الإدارة الأمريكية، ليستكمل مسارًا توقف منذ أكثر من ربع قرن، منذ توقيع آخر اتفاقية سلام بين الأردن وإسرائيل عام ١٩٩٤، والتى استكملت مسار السلام الذى بدأته مصر وإسرائيل عام ١٩٧٩. فكيف كان الاتفاق ممكنًا؟ ومتى بدأ؟ وما كواليسه؟ وما المشكلات التى ظهرت فور الإعلان عنه؟.. هذا ما ترصده «الدستور» فى السطور التالية.


كشفت عنه تغريدة عبر «تويتر».. والمباحثات بين القادة دارت على تطبيق «زووم»

من خلال تغريدة مختصرة على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»، أعلن الرئيس الأمريكى عن التوصل إلى اتفاق سلام تاريخى بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل.
وفى مؤتمر صحفى، بحضور جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكى، وأمام كاميرات العالم، أعلنت الإدارة الأمريكية عن توقيع الاتفاق، الذى تم النقاش حوله عبر أحد تطبيقات الحديث عبر الإنترنت، وهو تطبيق «زووم»، لأول مرة فى التاريخ.
بعدها تم الإعلان عن بيان مشترك للولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة، جاء فيه: «سيعمل هذا الاختراق الدبلوماسى التاريخى على تعزيز السلام فى منطقة الشرق الأوسط، وهو شهادة على الدبلوماسية الجريئة ورؤية القادة الثلاثة وشجاعة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل لرسم مسار جديد من شأنه إطلاق الإمكانات العظيمة فى المنطقة»، ورصد البيان أن البلدان الثلاثة تواجه العديد من التحديات المشتركة وستستفيد بشكل متبادل من الإنجاز التاريخى.
واعتبر البيان أن بدء العلاقات بين اثنين من أكثر المجتمعات ديناميكية فى الشرق الأوسط، ومن أكثر الاقتصادات تقدمًا سيؤدى إلى تغيير المنطقة من خلال تحفيز النمو الاقتصادى، وتعزيز الابتكار التكنولوجى، وإقامة علاقات أقوى.
ومن المتوقع أن تتجمع وفود من إسرائيل والإمارات فى الأسابيع المقبلة لتوقيع اتفاقيات ثنائية تتعلق بالاستثمار، والسياحة، والرحلات المباشرة، والأمن، والاتصالات، والتكنولوجيا، والطاقة، والرعاية الصحية، والثقافة، والبيئة، وإنشاء سفارات متبادلة، ومجالات أخرى ذات منفعة متبادلة.
ومن المتوقع، أيضًا، أن تعمل إسرائيل والإمارات مع الولايات المتحدة على إطلاق أجندة استراتيجية للشرق الأوسط، لتوسيع التعاون الدبلوماسى والتجارى والأمنى، فى إطار اشتراك الدول الثلاث فى نظرتها إلى التهديدات والفرص فى المنطقة، بالإضافة إلى تطوير التعاون القائم فى التوصل إلى لقاح لفيروس «كورونا المستجد».
بدأ طرحه فى يناير الماضى.. وإيقاف ضم المستوطنات والأغوار كان شرط أبوظبى

بداية الاتفاق تعود إلى ٢٨ يناير الماضى، بعد حضور مسئولين من الإمارات العربية المتحدة حفل البيت الأبيض، الذى قدم فيه الرئيس الأمريكى رؤيته للسلام، وفى حينه، أعربت الولايات المتحدة عن رغبتها فى التوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للصراع الإسرائيلى- الفلسطينى.
وحسب التقارير العبرية، فإن التوصل لخطة السلام الأمريكية شهد اتصالات مكثفة استمرت لأكثر من عام، وتزايدت وتيرتها مع اقتراب الإعلان عن الخطة، ثم استمرت بعد ذلك.
وذكرت التقارير أن مسئولًا فى البيت الأبيض كشف عن أن «نتنياهو» أبلغ مبعوث «ترامب»، قبل بداية يوليو الماضى، بأنه على استعداد للتطبيع مقابل تجميد فرض السيادة على المستوطنات والأغوار، وأن قضية الضم خلقت الأجواء التى أصبحت فيها الصفقة أكثر قابلية للتحقيق.
وحسب المسئول الأمريكى، فإنه تم تأجيل موضوع الضم حتى إشعار آخر، ولم يتم تحديد وقت لتعليق الملف، مع الإشارة إلى أن الاتفاق اكتسب فى الأسابيع الأخيرة زخمًا، واختتم بمحادثة ثلاثية بين «ترامب» و«نتنياهو» و«بن زايد».
وشهدت الأسابيع الماضية معارضة الإمارات بشدة خطة الضم، وهو ما حدث علنًا وفى المحادثات مع البيت الأبيض، وكان من أبرز الاعتراضات ما جاء فى مقال لسفير الإمارات لدى واشنطن يوسف العتيبة، الذى نشره فى صحيفة «يديعوت أحرونوت»، وكتب فيه أنه على إسرائيل الاختيار بين الضم والتطبيع، وهو ما مثل الإشارة الأولى لوجود توجه لتطبيع العلاقات.
وحسب تقرير نشره موقع «واللا» الإسرائيلى، فإن «العتيبة» تحدث فى نهاية شهر يونيو الماضى، مع جاريد كوشنر، والمبعوث الأمريكى الخاص لدى الشرق الأوسط آفى بيركوفيتش، وعرض عليهما فكرة موافقة الإمارات على تطبيع العلاقة مع إسرائيل مقابل إزالة فكرة ضم مستوطنات الضفة والإغوار من جدول الأعمال الإسرائيلى.
وذكر التقرير أن «نتنياهو» لم يرفض الفكرة بشكل قاطع، بل قال إنه سيكون على استعداد لاختبار ما إذا كانت خطوة جادة، فيما ذكر مسئول بالبيت الأبيض أن «كوشنر» أعجب بالفكرة، وبدأ الأمريكيون فى العمل عليها بالفعل.
وفى ٢٧ يونيو، وصل «بيركوفيتش» إلى إسرائيل، والتقى «نتنياهو» ثلاث مرات فى ثلاثة أيام لمناقشة مسألة الضم، وفى الاجتماعات، قدم المبعوث الأمريكى سلسلة من التحفظات على الضم، بما فيها ضرورة نقل مناطق فى الضفة إلى السيطرة الفلسطينية، وهو ما لم يعجب «نتنياهو». وأشارت التقارير إلى أن المبعوث الأمريكى لاحظ أن وزير الدفاع الإسرائيلى، بينى جانتس، ووزير الخارجية، جابى أشكنازى، يؤكدان فى لقاءاتهما معه أنهما يعارضان الضم الآن، ويعتقدان أن التركيز يجب أن ينصب على علاج فيروس كورونا، الأمر الذى قلل من رغبة البيت الأبيض فى تنفيذ خطوة الضم، فى ضوء انقسام القيادة الإسرائيلية حولها.
وفى الأسابيع التى تلت زيارة «بيركوفيتش»، اكتسبت المبادرة الإماراتية زخمًا، وتحدث «كوشنر» عبر الهاتف عدة مرات مع «نتنياهو» ومع الشيخ محمد بن زايد، ولى عهد أبوظبى نائب القائد الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة، كما عقد المبعوث الأمريكى عشرات الاجتماعات مع السفير الإسرائيلى لدى الولايات المتحدة، رون درامر، والسفير الإماراتى، يوسف العتيبة، لحسم التفاصيل، إلى أن تم التوصل لاتفاق فى الأيام الأخيرة، مع إعلام وزيرى الدفاع والخارجية الإسرائيليين بالأمر.
واختتمت المباحثات بحديث ثلاثى بين «ترامب» و«نتنياهو» و«بن زايد» لحسم الأمر، مع إعلان الرئيس الأمريكى عن خطته لعقد حفل توقيع رسمى للاتفاقية فى حديقة البيت الأبيض، بحضور مسئولين من إسرائيل والإمارات. وذكرت التقارير أن «نتنياهو» كلف وزير الخارجية «أشكنازى» بقيادة المحادثات مع الإمارات حول مختلف الاتفاقيات التى سيجرى التوقيع عليها، كما ذكرت أن روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومى الأمريكى، قال، فى مؤتمر صحفى، إن «نتنياهو» يتعرض لضغوط سياسية هائلة لضم أجزاء من الضفة الغربية، لكنه اختار الذهاب للسلام بدلًا من ذلك.
فيما قال صهر الرئيس الأمريكى إنه يعتقد أن إسرائيل ستركز الآن على تعزيز العلاقات مع الإمارات والدول العربية الأخرى، وليس على الضم، وأضاف أنه يأمل فى أن يؤدى قرار إسرائيل بتجنب خطوة استفزازية بشأن الضم إلى تشجيع القادة الفلسطينيين على العودة إلى طاولة المفاوضات.
اعتراض اليمين سبب وصف نتنياهو إيقاف الضم بأنه «مؤقت»


حسب تقارير مختلفة، فإن الرئيس الأمريكى دعم طلب الإمارات بتعليق إعلان السيادة الإسرائيلية على المناطق المحددة فى خطة السلام الأمريكية، وهى مستوطنات الضفة وغور الأردن، مع تركيز الجهد على توسيع العلاقات مع الدول الأخرى فى العالمين العربى والإسلامى.
وأدى الإعلان عن تعليق الضم إلى ردود أفعال متباينة داخل إسرائيل، حيث هاجم اليمين الإسرائيلى «نتنياهو»، واتهمه بالتخلى عن «الفرصة التاريخية» لضم المستوطنات، وعلق نفتالى بينيت، رئيس حزب «البيت اليهودى»، قائلًا: «نتنياهو أضاع فرصة تأتى مرة كل قرن».
فى المقابل، قال جابى أشكينازى، وزير الخارجية الإسرائيلى والقيادى فى تحالف «أزرق- أبيض»، الممثل لمعسكر يسار الوسط، إن خبر تطبيع العلاقات مع الإمارات مهم ويفتح الباب لمزيد من الاتفاقات، مؤكدًا أنه يرحب بتجنب خطة الضم الأحادية الجانب، على أن تجرى مناقشة خطة السلام بمشاركة كل دول المنطقة.
كما أكدا «أشكينازى» أن الاستقرار فى الشرق الأوسط، والقضاء على التهديدات الأمنية، وقرب الاتفاقات مع شعوب المنطقة، هى أهداف تحالف «أزرق- أبيض».
ونتيجة لذلك، خرج «نتنياهو»، فى خطاب أمس الأول، ليلعن أنه لا يزال «ملتزمًا بضم أجزاء من الضفة الغربية، لكنه وافق على (تعليق مؤقت) للخطط من أجل التوصل إلى اتفاق مع الإمارات، بالإضافة إلى توضيحه أن خطة الضم لن تمضى دون مباركة الولايات المتحدة».
ورغم غرابة التصريح فى توقيته، فإن كثيرين اعتبروه محاولة من «نتنياهو» لتجنب التعرض لانتقادات شديدة من قاعدة مؤيديه فى معسكر اليمين، خاصة أن إيقاف الضم يمثل تراجعًا عن وعده الانتخابى بضم الضفة الغربية، لذا حاول التلويح بأنه مؤقت فقط.
وعلى الجانب الآخر، شدد الشيخ محمد بن زايد على وقف عمليات الضم، قائلًا إن الإمارات وافقت على «خارطة طريق» وليس اتفاق تطبيع نهائى.