رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عصابة على بابا والأربعين إخوانى


ما مصادر تمويل جماعة «الإخوان العنصرية»؟.. إذا كان السؤال السابق قد تم طرحه منذ سنوات، إلا أنه للأسف الشديد لم يجد إجابة وافية ضافية، حيث ظل معلقًا فى سقف الحياة السياسية دون أن يرصد خباياه أحد، أو يتوغل فى أعماقه باحث، وإذا كان من حظى أن عشت فى أروقة جماعة الإخوان سنوات وسنوات، وعايشت أحداثها عن كثب- فقد بات من اللزوميات أن نفتح «كشف حسابات الإخوان وأرصدتهم المالية» المختبأ بتفصيلاته الدقيقة عند الدكتور حسين شحاتة، أستاذ المحاسبة فى جامعة الأزهر.
لكننى أحب أن أستطرد قبل أن أنتقل للفقرة التالية، فأقول إننى فى العديد من المقالات والحوارات عبر سنوات ماضية كشفت عن مصادر «كنز على بابا» الإخوانى العنصرى، ولكنّ أحدًا لم يكن يقرأ، ومن كان يقرأ لم يكن يلقى بالًا أو يهتم، فالظن عند الجميع للأسف كان يدور حول أن تلك الجماعة «العنصرية» هى جماعة وطنية، ومن حقها أن تمارس أفكارها وتكتسب أرزاقها، وتنخرط فى الحركة الوطنية المصرية.
ولكن ما قصة الأموال لدى الإخوان؟ للإخوان نظرة خاصة للمال وقد اصطحبت جماعة الإخوان هذه النظرة معها عبر تاريخها منذ أيام حسن البنا، فمما لا شك فيه أن الاقتصاد ورأس المال كان هو الهاجس الذى شغل ذهن المرشد الأول، إذ كان الرجل يدرك أنه بالمال يستطيع أن يفعل أى شىء، يستطيع ذات يوم أن يحكم ويسيطر ويتحكم، والدارس لتاريخ حسن البنا يعلم أنه كان طموحًا غاية ما يكون الطموح، وأن فكرته تماهت وتداخلت مع طموحاته ومن أجل ذلك كان يؤهل نفسه ليكون خليفة للمسلمين.
دعا حسن البنا أعضاء جماعته إلى فتح الشركات والاعتماد على العمل الحر، ثم وضع خلاصة فكرته، أو بالأحرى تعليماته، فى رسالة التعاليم التى أثارت فيما بعد قدرًا كبيرًا من الجدل، والتى نشرها فى مجلة الإخوان قائلًا: «لا بد أن يزاول العضو عملًا اقتصاديًا مهما كان غنيًا، وأن يقدم على العمل الحر مهما كان ضئيلًا، وأن يخدم العضو الثروة الإسلامية بتشجيع المصنوعات الوطنية، فلا يقع قرشه فى يد غير إسلامية» وكان من الطبيعى أن يستجيب له كل الإخوان وهو إمامهم وأمامهم.
ولنعد إلى «ثروة الإخوان» الحالية لنجد أن أول سؤال يطرح نفسه هو: ما مصادر ميزانية جماعة الإخوان؟ يقول قادة الإخوان فى كل المناسبات: إن أموال الإخوان من جيوبهم، وهذا الطرح صحيح إلى حد ما، فاللائحة تلزم كل «أخ» بسداد اشتراك شهرى يدفعه قربى لله وعبادة له، يرفع بها شأن جماعته التى تسعى إلى «تطبيق الإسلام» واستعادة الخلافة الإسلامية، ومن ثم الوصول إلى «أستاذية العالم»، وإذا كانت جماعة الإخوان ما زالت، وستظل، تخفى «حجم ميزانيتها وتطور العضوية فيها» حتى إن معظم بل غالبية أفراد الإخوان لا يعلمون شيئًا عن أموالها، فإننا سنضطر إلى الحديث بشكل تقريبى، ولكنه التقريب الذى هو أقرب ما يكون إلى الحقيقة.
يبلغ حجم اشتراكات أعضاء الجماعة فى مصر- وهو البند الأول فى ميزانية الجماعة- ما يزيد على المليار جنيه سنويًا، يدفعها ٢٥٠ ألف عضو عامل منتظم فى السداد وفقًا لآخر إحصاء داخلى بالجماعة لسنة ٢٠٠٨، وليس كل عضو بطبيعة الحال يسدد الاشتراك الشهرى، إذ توجد ثلاث فئات إخوانية يتم إعفاؤها من سداد الاشتراكات، الفئة الأولى هن عضوات قسم الأخوات بالجماعة، إلا أنه ليس هناك ما يمنع من أن تقوم الأخت بسداد تبرعات اختيارية لدعم الأنشطة الإخوانية، وهو الأمر الذى يحدث بشكل دائم، ولكن لا يوجد حصر له ولا وسيلة علمية لاستنتاج قيمته.
أما الفئة الثانية، التى لا تسدد اشتراكات شهرية للجماعة، فهم الطلبة الذين يصل عددهم إلى نحو ٣٠ ألف طالب إخوانى تقريبًا، بالإضافة إلى عدد متغير من فقراء الإخوان يصل أحيانًا إلى خمسة آلاف عضو ويقل أحيانًا أخرى عن هذا العدد وهؤلاء تمنعهم ظروفهم المادية من سداد قيمة الاشتراك الشهرى.
وتصل قيمة الاشتراك الشهرى الذى تحدده لائحة الجماعة إلى ٨٪ كحد أدنى من إجمالى الدخل الشهرى للعضو يقوم بسدادها أول كل شهر، وبالتالى ونظرًا لتفاوت الدخول بين أعضاء الجماعة وبعضها فإن قيمة هذه الاشتراكات الشهرية دائمًا ما تأتى متفاوتة، حتى إن الفرد نفسه أحيانًا يسدد قيمة ما، وفى أحيانٍ أخرى يقوم بسداد قيمة مختلفة، ولكن بحسبة بسيطة نجد أن متوسط الاشتراك الشهرى لعضو الجماعة يصل تقريبًا إلى نحو ثلاثمائة جنيه، أخذًا فى الاعتبار أن أعدادًا كبيرة من الجماعة تعتبر من أصحاب الدخول المرتفعة، وبذلك يصل دخل الجماعة إلى نحو مليار جنيه سنويًا كدخل ثابت للجماعة من اشتراكات الأعضاء فقط.
ومن المفيد فى هذا الصدد يا صديقى أن تعرف أن ذلك «الأخ العنصرى» يقوم طواعية بسداد الاشتراك الشهرى باعتباره عبادة لله رب العالمين، مثله كالصلاة والصوم، بل هو عندهم أعلى من أى فرض لأنه يتعلق بنصرة الإسلام، ولك أن تضيف إلى الاشتراك الشهرى «زكاة المال» و«الصدقات الطوعية» التى يسددها الأخ لجماعته لتصريفها فى الوجه الشرعى الذى تراه، وقد استندت الجماعة العنصرية فى ذلك إلى فتوى أصدرها الشيخ القرضاوى وشايعه فيها الشيخ الخطيب، قالا فيها: إن من أسهم زكاة المال سهم «فى سبيل الله» والجماعة تعمل فى سبيل الله، لذلك فإن زكاة المال يجب أن يتم دفعها للجماعة خاصة فى أوقات الأزمات والصراعات، ثم تطور الأمر وأصبح من الواجب على كل أخ أن يقوم بجمع أموال زكاة المال والصدقات من أقاربه وأصدقائه وجيرانه بحجة توزيعها على أفراد مستحقين لها، ثم يتم بعد ذلك تسليمها للتنظيم كى يتصرف فيها كما يشاء، وأموال الزكاة والصدقات تتغير من عام لآخر حسب الظروف زيادة أو نقصانًا ولكنها تمثل أحد أهم مصادر دخل الجماعة العنصرية.
وفى أحد الأيام البعيدة ظهر فى مدينة الإخوان «يوسف ندا» حيث أسندت له الجماعة إدارة أموالها فأنشأ بنك التقوى، وقد أثار ظهور يوسف ندا غضب بعض الإخوان! وكان على رأس الغاضبين خيرت الشاطر الذى كان قد بدأ هو الآخر فى استثمار جزء من أموال الجماعة برفقة شريكه حسن مالك، وشيئًا فشيئًا استطاع الشاطر سحب كل أموال الجماعة ناحيته هو، وساعده فى ذلك إفلاس بنك التقوى، ثم بدأت رحلة الشاطر فى استثمار أموال الجماعة فى تركيا وهونج كونج وماليزيا وإنجلترا وألمانيا وقطر والإمارات، وقبل قضية ٢٠٠٧ التى اتهم فيها الشاطر بغسل الأموال كان المتداول لدى قيادات الجماعة أن الشاطر استطاع الصعود باستثمارات الإخوان إلى حد غير مسبوق، حتى إن العائد السنوى لتلك الاستثمارات وصل على يديه إلى مليارين من الدولارات! ومع هذا فلا أحد يعلم على وجه اليقين ما الأنشطة الاقتصادية التى تستثمر الجماعة فيها أموالها؟، وإن كان هناك من يؤكد أنها أنشطة مشبوهة.
بقى بعد ذلك حصة جماعة الإخوان فى مصر من أموال التنظيم الدولى، كانت عام ٢٠٠٢ أكثر من مائتى مليون دولار! والآن وبعد الأحداث التى مرت بها مصر على يد تلك الجماعة العنصرية يقول البعض: إن أموال الإخوان مثل جبل الجليد لا يظهر منه إلا الجزء الأصغر أما الجزء الأكبر فهو تحت الماء لا يراه أحد.. فإذا كانت أموال الجماعة داخل مصر أصبحت فى معظمها ظاهرة أمام العيان إلا أن الجزء الأكبر من ثروة الإخوان ما زال مختفيًا فى الخارج، فعبر سنوات طويلة تكونت لـ«الإخوان» خبرة تراكمية فى إدارة المال، وقامت بفتح شركات جديدة من الشركات عابرة القارات، ومشاركة رجال أعمال فى تلك الدول ممن لهم علاقة جيدة بأعضاء بالجماعة، كما تمت إعادة توجيه استثمارات الإخوان فى شراء أسهم فى شركات خارجية وضخ أموال الجماعة فى البورصات العالمية، وافتتاح مشروعات جديدة فى قطر، وعبر سنوات تزايدت أموال الإخوان فى مصر، وزادت بشكل أسطورى أموال التنظيم الدولى لتلك الجماعة، وبعد أن بدأت خزائن «الإخوان» تستقبل تمويلًا دائمًا من قطر، بهدف ترتيب كل عمليات الإرهاب فى منطقتنا العربية، باتت أموال تلك الجماعة غير قابلة للحصر والعد، وقد كشفت الأيام عن خلاف «الإخوان» فى تركيا فى تقسيم تلك الأموال.
فحينما أصبح لـ«الإخوان» فى تركيا مكتبان إداريان، وحصل أصحاب كل مكتب على أموال طائلة كان من المفترض أن يتم إنفاقها كلها على أعمال «الإخوان» التخريبية والإرهابية فى مصر، ولكن الشباب الإخوانين الهاربين وجد أن محمود حسين الذى حصل من قطر ذات مرة على ستة ملايين من الدولارات أو أكثر، يقوم بشراء بناية له على مضيق البوسفور فى إسطنبول فى أرقى المواقع، وهى بناية قال بعض الشباب منهم إن أحدًا منهم لا يمكن أن يفكر فيها إلا فى الأحلام أو إذا كان فى الجنة، وفى ذات الوقت تلقى عمرو دراج أموالًا طائلة من قطر فأقام مركزًا للدراسات السياسية يخدم به على «الإخوان»، ويسهم فى صنع تقارير مزورة لتقديمها إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان، واستخدم فى ذلك المركز عددًا كبيرًا من شباب الإخوان بمرتبات هزيلة، وبدأ التلاسن بين الفريقين، فعصام تليمة، سكرتير القرضاوى السابق الهارب إلى تركيا المنضم لجبهة عمرو دراج، أخذ يوجه الاتهامات المالية لمحمود حسين ويتهمه بسرقة أموال الجماعة، وجبهة محمود حسين اعتبرت نفسها الجهة الشرعية الوحيدة التى حصلت على دعم لشرعيتها من الهارب محمود عزت، فى حين أن عمرو دراج اعتبر نفسه وجبهته رجال المرشد بديع والحاصلين على شرعيتهم منه، ووصلت درجة الخلاف إلى أمر غير مسبوق، وسبحان الله، فقد أصبح الإخوان كاليهود الذين قال الله عنهم «بأسهم بينهم شديد» وما ذلك إلا لأن رحمة الله تنزلت علينا ليحمى مصر من شياطين الإخوان.