رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللقاح الروسى.. قلق مشروع


الخبر الأهم، اليوم وغدًا وبعد غدٍ، أعلنه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، أمس الثلاثاء: «هذا الصباح، ولأول مرّة فى العالم، تم تسجيل لقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد فى روسيا»، مؤكدًا أنه «فعّال بما فيه الكفاية، ويعطى مناعة مستدامة». غير أن خبراء وعلماء تشككوا فى سلامة وفاعلية هذا اللقاح، وأعربوا عن قلقهم حيال سرعة تطويره.
سموه «سبوتنيك فى»، Sputnik V: اسم أول قمر صناعى يسبح فى الفضاء، أطلقه الاتحاد السوفيتى السابق، فى يوم ٤ أكتوبر ١٩٥٧، مضافًا إليه الحرف الأول من كلمة «Vaccine»، أى لقاح. وخلال اجتماع مع أعضاء حكومته، عبر الفيديو، أكد بوتين أن اللقاح «خضع لكل الاختبارات اللازمة»، وأشار إلى أن إحدى بناته تناولته، وكل ما حدث هو أن درجة حرارتها ارتفعت قليلًا.
لقاحات عديدة مضادة لـ«كورونا المستجد» لا تزال خاضعة للتجارب السريرية، أبرزها ذلك الذى تقوم بتطويره جامعة أكسفورد البريطانية، أما اللقاح الروسى، الذى صار أول لقاح يتم تسجيله والموافقة على إنتاجه فى العالم، فقد طوره مركز «نيكولاى جاماليا» القومى لأبحاث الأوبئة والأحياء الدقيقة، بالتعاون مع وزارة الدفاع الروسية، وصندوق روسيا السيادى، الذى أكد رئيسه، كيريل ديمترييف، الثلاثاء، أن ٢٠ دولة طلبت أكثر من مليار جرعة، وأن المرحلة الثالثة من التجارب ستبدأ اليوم، الأربعاء. وبالتزامن، أعلن ميخائيل موراشكو، وزير الصحة، عن بدء إنتاج كميات كبيرة بحلول الشهر المقبل، مع استمرار التجارب السريرية على آلاف الأشخاص.
المركز الذى يحمل، منذ سنة ١٩٦٦، اسم أحد أبرز العلماء الروس فى العلوم المجهرية ومكافحة الأوبئة، «نيكولاى جاماليا»، تأسس سنة ١٨٩١، كمعمل خاص بالعالم فيليب بلومنتال، وتحول إلى معهد للكيمياء والعلوم المجهرية، وسنة ١٩١٩ جرى تأميمه، ليصبح تابعًا للمفوضية الشعبية للصحة فى جمهورية روسيا الاتحادية السوفيتية، ثم معهدًا مركزيًا لعلم الأوبئة والأحياء الدقيقة بعد دمجه بالمعهد المركزى للجراثيم التابع لمعهد الميكروبيولوجى، وبعدها صار معهدًا مركزيًا لعلم الأوبئة والأحياء الدقيقة فى عموم الاتحاد السوفيتى السابق.
بعد انضمامه إلى معهد أبحاث ايفانوفسكى لعلم الفيروسات، سنة ٢٠١٤، تم تحويل المعهد إلى مركز فيدرالى. وفى مايو الماضى، تعرض بعض علمائه لانتقادات حادة، بعد أن حقنوا أنفسهم بالنموذج الأولى للقاح، بزعم أن ما فعلوه ينتهك البروتوكولات الاعتيادية. غير أن المركز أعلن فى الشهر التالى، أى فى يونيو، أن كل من خضعوا للاختبار اكتسبوا مناعة، دون أى أعراض جانبية، موضحًا أن التجربة تمت أيضًا على جنود من الجيش الروسى، وهو ما أكدته وزارة الدفاع الروسية، وذكرت، فى بيان، أن جميع المتطوعين من الجنود صارت لديهم استجابة مناعية ولم تظهر عليهم أعراض جانبية، أو أى أمور غير طبيعية.
المخاوف من تمرير اللقاح على عجل، أو التشكيك فى سلامته وفاعليته، ستقابل أى لقاح، خاصة لو كان روسيًا، صينيًا، غير أمريكى أو أوروبى. وعليه، كان طبيعيًا أن يتم استقبال اللقاح الروسى بمثل تلك المخاوف أو هذه التشكيكات، مضافة إليها مزاعم بوجود ضغوط سياسية، لتجاوز خطوات أو زوايا أساسية فى عملية إنتاج وتطوير اللقاح، لكن ما بدا غريبًا هو أن شبكة «سى إن إن» ذكرت أنها لا تستطيع التحقق من سلامة اللقاح أو فاعليته المزعومة، مع أنها، كما لعلك تعرف، شبكة إخبارية وليست مركز أبحاث!.
عمّن وصفتهم بـ«النقاد»، نقلت الشبكة الإخبارية الأمريكية أن إنتاج هذا اللقاح جاء بضغوط من الكرملين، أى القصر الرئاسى الروسى، الذى يحرص على تصوير بلاده كقوة علمية عالمية، كما سبق أن نقلت الشبكة نفسها، منذ أسبوعين تقريبًا، عن «منتقدين» أن اللقاح الروسى تجاهل الاتفاقيات المتعلقة بالتجارب البشرية، نتيجة تلك الضغوط!.
قبل الجميع، انفردت «سى إن إن»، فى ٢٨ يوليو الماضى، بخبر اعتزام روسيا الموافقة على إنتاج أول لقاح مضاد لفيروس كورونا «خلال أقل من أسبوعين»، وفى اجتماع حكومى، انعقد فى اليوم التالى، ٢٩ يوليو، أكدت تلك المعلومة تاتيانا جوليكوفا، نائبة رئيس الوزراء الروسى، وقالت إن بلادها تعتزم الموافقة على اللقاح بحلول ١٠ أغسطس، وفى ٣٠ يوليو، استضافت «سى إن إن»، ديفيد نابارو، مبعوث منظمة الصحة العالمية الخاص، ليرد على ذلك، فطالب بعدم رفع سقف التوقعات دون مبرر، مرجحًا أن الأمر قد يستغرق عامًا أو عامين.
التشكيك إيجابى، والمخاوف منطقية، والقلق مشروع. لكن ما قد يُطمئن قليلًا، هو أن متحدثًا باسم المنظمة نفسها، منظمة الصحة العالمية، اسمه طارق ياساريفيتش، قال خلال مؤتمر صحفى، عبر الفيديو كونفرانس، إنهم «على تواصل وثيق مع السلطات الروسية»، وأكد أن ترخيص أى لقاح «يمر عبر آليات صارمة». وعليه، لن يمكننا أن نقول إن كورونا المستجد «هم وانزاح»، إلا بعد التأكد من سلامة وفاعلية هذا اللقاح.. أو غيره.