رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وائل فاروق: نقد «السوشيال ميديا» تسليع للأدب

وائل فاروق
وائل فاروق

حول انتشار ظاهرة النقد بين القراء٬ سواء عبر مجموعات القراءة بالسوشيال ميديا٬ أو موقع جود ريدز٬ وهي تمثل إزاحة لسلطة النقد ــ بالمعنى النقدي العلمي الأكاديمي البحثي ــ لصالح انطباعات وأذواق٬ وأيضا على الأهواء، فهناك ــ حسب الروائي إبراهيم فرغلي ــ حملة ضارية يقودها من يظنون أنفسهم أصحاب صكوك غفران (الثورة) التي يرون كل من يخالفهم ميتا لا يصلح للقراءة ولا الكتابة، وهناك من يستفيد من ذلك في محاولة لإزاحة أسماء لصالح أخرى وفق أهواء وبعيدا عن الموهبة والإتقان والمعرفة باللغة والكتابة باعتبارها عملية احترافية.

حول هذه الظواهر٬ وهل تمثل تهديدا للنقد الأدبي٬ كان لــ "الدستور" هذا الحوار مع الباحث وائل فاروق أستاذ الأدب العربي بالجامعة الكاثوليكية بميلانو.

ــ كيف ترى ظاهرة النقد الأدبي التي انتشرت عبر السوشيال ميديا؟

هذه الظاهرة جزء من التوجه العولمي لتسليع الأدب في كل مكان، الذي يتجلى في ظواهر مثل الأكثر مبيعا تتسق مع مجتمع ما بعد الحقيقة، المجتمع الأفقي، فقد احتل الانتشار المكانة التي كانت محفوظة لوقت طويل للعمق في سلم القيم والمعايير، وعلى حين يوفر الجهد الأكاديمي والتنظير الجمالي نوعا من التوازن في السياقات الأخرى بين العمق والانتشار، فإننا في حالة الأدب العربي نفتقد لهذا التوازن حيث دأب النقد العربي على اجترار المقولات النظرية للآخر دون إضافة حقيقية لها، كما دأب الأكاديميون الغربيون على إهمال ما هو جمالي في الأدب العربي، والتركيز عليه كمادة للبحث الأنثروبولوجي، يكفي أن نلقي نظرة سريعة على أطروحات الماجستير والدكتوراه في أرشيف أي وزارة للتعليم العالي في أوروبا لندرك ذلك، فنجد من يتحدث عن إرهاصات الربيع العربي في أعمال محفوظ، الحرية والثورة في رواية الكرنك، الجريمة في روايات نجيب محفوظ، وهي دراسات تبحث في الأدب عن أي شيء إلا ما يجعله أدبًا.  

نرى اليوم أن المساحة التي غزاها الأدب العربي بعد نوبل محفوظ في الفضاء العام أصبحت رهينة ما يقع من أحداث ساخنة، أما المساحة التي غزاها في الجامعة فلم تعد تهتم به كأدب، ولكن كمادة للبحث في سياق علوم أخرى، وأما الرهان الذي يعلقه الكثيرون على ثقافة ما بعد الحداثة، المعادية للمركزية والرافضة للتهميش، في صناعة هذا التوازن، فإنه لا يبشر بالكثير، فالسعي ما بعد الحداثي للخروج من الهامش لا يتوقف عند تدمير المركز المسيطر وإنما يمتد لتدمير أي إمكانية لظهور مركز جديد، الغياب التام للمركز هو الضمانة الوحيدة لعدم العودة للهامش. نحن نبالغ كثيرا في الحماس لما بعد الحداثية عندما نعتقد أنها ستحرر العالم من المركزية الأوروبية وتضفي المشروعية على "جماليات" الثقافات المغايرة لها، حيث يمضي واقع ممارساتها الثقافية في الاتجاه المعاكس، فعدم السماح بظهور مركز جديد يرسخ في النهاية المركز القائم الذي يستمر في ممارسة سلطته غير المباشرة في ترسيخ صورة نمطية لما هو خارجه، فما زال نجاح الأدب العربي في المجتمعات ما بعد الحداثية مرهونا بقدر ما يحتويه مضمونه من غرائبية ثقافية أو اجتماعية.

عادة ما يقدم الإبداع نفسه بوصفه تجليًا لوعي مؤرق بأسئلة الجمالي في إطار اشتباكه مع الواقعي، وعي متمرد على كل الثوابت التي يمكن أن تحد من حريته في اكتشاف آفاق الذات وعالمها، وعي ثائر على كل الحكايات الأيديولوجية الكبرى التي يمكن أن تعرقل قدرته على الاستجابة لعالم يتغير بسرعة فائقة، ويخلق شروطا فيزيائية واقتصادية واجتماعية وسياسية تفرض علينا يوميا أن نعيد اكتشاف الإنسان والإنسانية؛ هل يجد هذا الإبداع وهذا الوعي مساحة كافية في إطار التلقي الغربي، أم أنه سيتعرض دائما للإقصاء كلما حاول التمرد على إطار الغرائبية التي يتم صبه في قالبها؟.

إن الانتشار الذي يعتقد الكثيرون أنه خروج من الهامش وانفتاح على العالم ليس إلا المظهر الأكبر – في إطار هذه الشروط – للتهميش.

ــ هل نعاني من أزمة نقد؟
دور النقد إنتاج معرفة جمالية تقوم بالكشف عن الوعي الجمالي الذي جسده المبدعون في نصوصهم في لحظة تاريخية معينة ودوره الاستثنائي في بناء عالم الإنسانية وكشف آفاقه المستقبلية، وهذا النوع من البحث والدراسة يستغرق بالضرورة وقتا طويلا يجعله عاجز دائما عن ملاحقة السوق.

أعتقد أننا نخلط بين دور النقد ودور الصحافة الثقافية، دور النقد إنتاج معرفة جمالية تقوم بالكشف عن الوعي الجمالي الذي جسده المبدعون في نصوصهم في لحظة تاريخية معينة ودوره الاستثنائي في بناء عالم الإنسانية وكشف آفاقه المستقبلية، وهذا النوع من البحث والدراسة يستغرق بالضرورة وقتا طويلا يجعله عاجزا دائما عن ملاحقة سوق النشر، النقد بالضرورة نخبوي لأنه كعلم لا يملك إلا أن يستخدم لغته الاصطلاحية، وهذا ليس عيبًا ما لم يكن مغلقا ومعقدا على جمهوره الأوسع  من غير دارسيه  من الأدباء والصحفيين الثقافيين، ولأضرب مثالا بكتابات آينشتين هل يمكن اتهامه بأنه كان نخبويا منعدم التأثير لأن كتبه لا يفهمها إلا زملاؤه من الفيزيائيين؟، بالطبع لا٬ ما أريد أن أقوله إنه ليس على النقد النزول للجماهير وليس على الجماهير تعلم لغة النقد، على النقد فقط أن يقوم بدوره وهو إنتاج معرفة جمالية وإصدار أحكام قيمة وفق نظريته التي يجب أن تكون مرنة وقابلة للتغير أمام كل تجربة إبداعية جديدة.

وحول القراءات الانطباعية لمؤثرين من قراء الأدب في السوشيال ميديا٬ التي أشار إليها الكاتب إبراهيم فرغلي٬ قال فاروق: متفق تماما مع كتبه الصديق الروائي ابراهيم فرغلي، وأعتقد أن السطحية والخفة التي يتم بها تناول الأدب العربي التي بدأت تتطور أحيانا إلى نوع من البروباجندا الممجوجة مع أو ضد عمل أدبي بغض النظر عن قيمته الجمالية، لا علاقة لها بالنقد وتراجعه وإنما بطبيعة المعرفة في اللحظة الراهنة التي تسعى لتشيئ المشاعر والانطباعات وردود الفعل الانفعالية لقياسها وتوظيفها في خدمة عمليات التسويق.