رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من بيروت إلى لاهاى.. والعكس!



من العاصمة اللبنانية بيروت، التى أصابتها تفجيرات الثلاثاء الماضى فى مقتل، امتد وجع اللبنانيين، إلى مدينة لاهاى الهولندية، مقر انعقاد المحكمة الدولية، الأممية، الخاصة بلبنان، التى كان من المقرر، أو المفترض، أن تصدر اليوم، الجمعة، حكمها فى قضية اغتيال رفيق الحريرى، رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق، و٢١ آخرين، لكنها قررت إرجاء الجلسة إلى الثلاثاء بعد المقبل، بزعم تضامنها مع الشعب اللبنانى فى هذه الأوقات الصعبة!.
شاحنة ملغومة محملة بثلاثة أطنان من مواد شديدة الانفجار، اعترضت موكب رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق، وسط بيروت، فى ١٤ فبراير ٢٠٠٥، تلتها أزمات سياسية، كادت تدفع البلد الشقيق إلى شفا حرب أهلية جديدة، بينما لم يكن قد تعافى، بعد، من نتائج تلك الحرب التى استمرت ١٥ عامًا وانتهت بتوقيع «اتفاق الطائف»، وإقرار قاعدة التمثيل الطائفى، التى كان من المفترض إلغاؤها خلال «فترة انتقالية»، بدأت مع توقيع الاتفاق، سنة ١٩٨٩، ولم تنته إلى الآن!.
فريق الادعاء فى المحكمة الدولية، كان قد قدم، فى ١١ سبتمبر ٢٠١٨، مرافعاته النهائية. وخلال جلسات، امتدت أسبوعين، قام بعرض الأدلة، وأجاب عن أكثر من ٥٠ سؤالًا وجهتها المحكمة. وقيل إن تلك المرافعات وهذه الإجابات، قدمت أدلة مادية وفنية «لا تقبل الشك» كشفت عن تحركات المتهمين قبل وخلال وبعد تنفيذ الجريمة. وبعد انتهاء كل الأطراف: الادعاء، دفاع المتهمين، ووكلاء المتضررين، من المرافعات، انصرف قضاة المحكمة إلى المداولة تمهيدًا لإصدار الحكم، الذى كان من المقرر أن يصدر أوائل سنة ٢٠١٩.
مرّ أول ٢٠١٩، وفاتت السنة كلها، وكان المفترض أو المتوقع، كما أشرنا، أن تصدر المحكمة، فى اليوم السابع من الشهر الثامن من سنة ٢٠٢٠، أى اليوم الجمعة، حكمها، غيابيًا، ضد أربعة متهمين، لا يعرف، غير «حزب الله»، مكان وجودهم: سليم عياش، حسين حسن عنيسى، أسد صبرا، وحسن مرعى. أما قائدهم، أو خامسهم، مصطفى بدر الدين، فقد لقى مصرعه، قرب مطار العاصمة السورية «دمشق» فى مايو ٢٠١٦. وكانت المكالمات التليفونية بين المتهمين، فى المحيط الجغرافى القريب من أماكن وجود رفيق الحريرى، عبر شبكة مغلقة، هى التى قادت إلى الكشف عن أسمائهم، وأظهرت أن بدر الدين، هو العقل المدبر للجريمة.
اسمه الحقيقى سامى صعب، كان عضوًا فى مجلس شورى «حزب الله»، وتم سجنه فى الكويت سنة ١٩٨٣ بسبب ضلوعه، وآخرين، فى تنفيذ سبع جرائم تمس البنية التحتية ومنشآت حكومية، وحيًا سكنيًا وسفارات دول أجنبية. وبعد الغزو العراقى للكويت فى ٢ أغسطس ١٩٩٠ تمكن من الهرب إلى إيران، وأعاده الحرس الثورى الإيرانى إلى بيروت. وحسب تقارير غربية، فإن بدر الدين تم تعيينه فى فبراير ٢٠٠٨، قائدًا لعمليات الحزب الخارجية، خلفًا لصهره القتيل، عماد مغنية، وأخيرًا، كان القائد العسكرى للحزب فى سوريا، قبل أن يلقى مصرعه هناك.
ما قد يجعلك تضرب كفًا بكف، أو «راسك فى الحيط»، هو أن بلدية «الغبيرى»، جنوبى العاصمة اللبنانية بيروت، قامت مع بدء تلك المرافعات النهائية، بإخراج لسانها للمحكمة الدولية ولنصف اللبنانيين، على الأقل، وأطلقت اسم مَن وصفته بـ«الشهيد» مصطفى بدر الدين، على أحد شوارعها، مع أن سعد الحريرى، نجل الضحية، كان وقتها رئيس حكومة تسيير الأعمال، إلا أنه اكتفى بكتابة تغريدة، فى حسابه على «تويتر»، وصف فيها تسمية الشارع بأنها «أمر مؤسف»، واتهم أشخاصًا لم يسمّهم بأنهم «يريدون أخذ البلد إلى مكان آخر»!.
لبنانيون كثيرون وصفوا رد فعل الحريرى الابن بأنه ضعيف، مائع، ولا يتناسب مع حجم الكارثة. وهناك أيضًا من هاجموا نهاد المشنوق، وزير داخليته، المحسوب عليه، والذى من بين صلاحياته الموافقة أو الاعتراض على تسمية الشوارع، غير أن الإنصاف يقتضى الإشارة إلى أن بلدية الغبيرى، تخضع لسيطرة «حزب الله»، وأن وزير الداخلية، رئيس الحكومة، أو حتى رئيس الدولة، لا يستطيعون فرض أى قرار على ذلك الكيان اللبنانى اسمًا، الإيرانى تمويلًا، ولاءً، وتبعية.
الدين، فى لبنان، هو لغة الصراع، لكنه ليس سببه، وباستخدام الدين، وتحت تهديد السلاح، سيطر «حزب الله» على القرار اللبنانى، منذ أسسته إيران، سنة ١٩٨٢، ليكون وكيلها السياسى والعسكرى فى المنطقة. واستمر مسيطرًا، من خلف ستار، أو كشريك رئيسى فى الحكم، حتى بعد أن تم إدراجه على قائمة المنظمات الإرهابية فى دول ومنظمات دولية مختلفة، أبرزها الولايات المتحدة، مجلس التعاون الخليجى، وجامعة الدول العربية.
من بيروت إلى لاهاى والعكس، يذهب وجع اللبنانيين ويجىء، ويخدعك مَن يدعّى أنه يستطيع الجزم بأسباب انفجارات الثلاثاء الماضى، أو أن بإمكانه استنتاج رد فعل قتلة رفيق الحريرى ورفاقه، بعد صدور حكم المحكمة الدولية، الأممية، فى ١٨ أغسطس الجارى، لو صدر!.