رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«معارك ثقافية مطلع القرن 20».. محرر فني يهدد مخرج بـ«الفتاوى الدينية»

جريدة الدستور

عقب نشر مجلة المسرح لخبر تعاقد يوسف وهبي علي فيلم "النبي محمد" مع شركة سينماتوغرافية٬ قام المخرج وداد عرفي بإرسال ردا على ما أثارته المجلة من تحريض ضد الفيلم وضد يوسف وهبي٬ ونشرت رسالة "عرفي" في العدد الصادر بتاريخ 24 مايو 1926 وفي تعقيبه قال محرر المجلة محمد عبد المجيد حلمي: لم يجد يوسف وهبي ما يبرر به مركزه أمام هذه الأمة الإسلامية التي تعضده والحكومة التي تعترف بالإسلام دينا رسميا لها٬ وهي التي تدفع له المكافأت المتعددة ماذا يصنع؟! وكيف السبيل إلي التخلص من هذه الورطة؟ ذهب إلي وداد عرفي بك وشكا له الأمر وطلب إليه أن يكذب ما رويناه (يقصد خبر تعاقد وهبي مع الشركة علي فيلم النبي محمد) وأن ينفي تماما حكاية "النبي محمد".

وداد عرفي بك صديق قديم لنا طالما اجتمعنا وكثيرا ما قصدنا به دور التمثيل لنطلعه علي مبلغ رقي فننا التمثيلي٬ وأذكر أننا كنا أول من رحب به فنشرنا له حديثا مطولا عن عمله في أحد أعداد المسرح السابقة٬ وأراد وداد بك أن يرضي صديقه يوسف وهبي فأرسل لنا هذه الرسالة القصيرة التالية:

وجاء في رسالة عرفي:"عزيزي.. ساءني كثيرا أن أقرأ كلمة في مجلتكم "المسرح الزاهرة" عن العمل الذي ننوي القيام به في مصر٬ أجل فقد كانت هناك أشياء كدرتني كثيرا فقد تحدثتم عن فيلم يمثل حياة سيدنا محمد وهذا الخبر عار عن الصحة تماما إذ أن هذا الفيلم لا ننوي إخراجه في مصر وإنما سنخرج رواية "جحا" وتوت عنخ آمون ومحمد علي باشا" وتفضلوا بقبول تحيات المخلص وداد عرفي.

وفي تعقيبه علي ما جاء في رسالة "عرفي" كتب المحرر: نحن لم نقل مطلقا أن رواية النبي محمد ستمثل في مصر٬ وإنما قلنا أنها ستمثل في أوروبا وتساءلنا هل الرقابة تسمح بدخولها إلي مصروقد جاء كلام وداد عرفي مطابقا تمام المطابقة لما قلناه إذ يقول "أننا لا ننوي إخراجها في مصر" يعني أنها لن تمثل هنا ولكن ستمثل في الخارج وليس هذا هو المهم في نظرنا٬ وإنما ما رمينا إليه وما لفتنا إليه نظر الأمة والحكومة هو أولا قيام مثل يوسف وهبي بتمثيل هذا الدور سواء كان في مصر أم في خارجها.

وثانيا هو عرض قطعة دينية محضة تمثل عصر النبي محمد عليه السلام. وتمثيل هذه القصة في الخارج أشد شناعة مما في مصر٬ فنحن هنا نعرف حياة النبي محمد وتكفي العاطفة الدينية الموجودة عندنا لاعتبار الفيلم خرافة من الخرافات التي تعودنا رؤيتها في السينما دائما.

أما في الخارج حيث لا يعرفون إلا القشور عن الإسلام٬ ولا يحترمون دينا من الأديان٬ فقد تغرهم المظاهر ويثقون بما يعرض عليهم٬ وهو علي أي حال صورة شوهاء غير صادقة من فترة النبوة وعهد الرسالة الإسلامية٬ فيذهبون كل المذاهب في تكوين أفكارهم عن الدين الإسلامي وصاحبه وهذا ما نخشاه.

يتابع المحرر وهو هنا محمد عبد المجيد حلمي قدحه وذمه في يوسف وهبي وكيف أنه لا يصلح لتشخيص دور النبي حتي لو تمت الموافقة علي إخراج مثل هذا الفيلم: من جهة أخري فإن يوسف وهبي لا يصلح بطبيعته الشهوانية وأعصابه الثائرة ومشية الفتوات التي يتمخطر بها٬ وعلائم التزق والاستهتار التي تلوح علي وجهه لأن يمثل دور النبي محمد !

علي هذا لا وجه لاحتجاج وداد عرفي بك ولا يحق له في الاعتراض علينا لأننا ندافع من جهة عن ديننا ومظاهره٬ ومن جهة أخري نريد ألا يظهر الفن الشرقي في الوسط الغربي بمظهر القصور والضعف والإنحلال. هذا ولقد كدت أعتقد يا سيدي أن شركتكم هذه شركة مضمحلة لا قيمة لها ولا يمكن أن تعمل عملا ذا قيمة٬ فإن الشركة التي يكون يوسف وهبي ديرها الفني لهي شركة لا ينظر إليها أحد بعين الاعتبار٬ وكيف يمكن ليوسف وهبي أن يكون مديرا فنيا لشركة سينماتوغرافية ذات قيمة وهو الذي لا يستطيع أن يكون مديرا فنيا في مسرحه ولا يمكنه أن يخرج دوره مهما كان صغيرا إلا بمساعدة مديره الفني عزيز عيد؟!

يبدو من كلمات "عبد المجيد حلمي" المسمومة بأن إعتراضه ليس علي الفيلم بحد ذاته ولا إظهار النبي محمد علي شاشة السينما بقدر كرهه وحقده علي يوسف وهبي٬ مغازلا في الوقت ذاته الشركة السينمائية حيث يختتم رده علي وداد عرفي قائلا: سيدي وداد عرفي بك..نحن نسر جدا أن تقوم هذه الشركة السينماتوغرافية وأن تعمل علي إظهار الفن الشرقي ولكننا نحب أن تجري فيها الأغراض فتفسد العمل. نحن نعرف أكثر منك ممثلينا وممثلاتنا وما يجب علينا عمله وأنت لا تعرف إلا ما سمعت به وما أدخلوه عليك بواسطة سماسرتهم٬ وما شاهدته في مرة أو مرتين وقد يقول لك يوسف وهبي أن بيننا وبينه عداوة أو شبهها٬ إذن نحن ندلي إليك بآرائنا هذه وأنت حر في عملك٬ ونحن أحرار في عملنا بعد الآن.

يختتم "عبد المجيد" ملوحا بالتهديد الديني مشيرا إلي قرار منع تصوير الفيلم من الأساس لا في مصر ولا خارجها: ولا تنسي سيدي "الفتوي" التي ستصدرها بعد قليل المشيخة الإسلامية في هذا الصدد٬ وما تحدثه من أثر في مصر والعالم الإسلامي بأسره٬ ولا أظن من مصلحة شركتكم وهي ناشئة أن تغضب شعوبا عديدة من أجل عمل صغير.