رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من الاستحالة إلى الإحالة


الحادث الذى سيأتى ذكره ليس من الخيال، وليس من المستحيل، بل هو من قلب الواقع المعاش، ففى قاعة المحكمة، بينما أحد المجرمين يحاكم فى العديد من التهم الموجهة إليه، وفى مفاجأة مأساوية، هجم على الحارس الذى يحرسه وخطف منه سلاحه ثم أطلق رصاصات البندقية على الحارس ثم على القاضى، ورصاصة أخرى على النائب العام.
وبعد سقوط هذا العدد قتلى، خرج من قاعة المحكمة شاهرًا السلاح فى وجه من يحاول الاقتراب منه، ثم هرب إلى ناحية بعيدة عن الزحام، وعندما شاهد سيدة تفتح باب بيتها للدخول، ولاحظ أنها بمفردها فى هذه الدار، دخل وراءها شاهرًا سلاحه، وتوقعت السيدة أنها تحت تهديد السلاح المُشهر فى وجهها، ولم تنطق بكلمة، بينما من يهددها مستمر فى تقييد يديها ورجليها ويلقيها فى دورة مياه بيتها، ثم جلس بعد ذلك فى بيتها.
فما كان من السيدة إلا أن تذكر بعض كلمات من الكتاب المقدس، ثم رفعت صلاتها لأجل هذا الشخص حتى يتعامل الله معه بلطفه ومحبته ورحمته، فتأثر الرجل من كلماتها وصلاتها، فقام بفك قيدها متوقعًا أن تبلغ الشرطة، لكنها قامت بإعداد وجبة طعام له، فقد كان جائعًا، لكنه وأثناء تناوله الطعام، طلبت من الله فى صلاتها أن يتعامل الله مع ذلك القاتل، وبعد أن فرغ من الطعام، طلب القاتل من السيدة أن تبلغ الشرطة عنه لينال عقابه الذى يستحقه، لأنه اقترف الكثير من الجرائم ويستحق العقاب وسوف يكون لها من الشاكرين حسب اعترافه لها.
ولكن قبل أن تطلب السيدة الشرطة لهذا القاتل، ركعت مُصلية من أجله ليقبل الرب توبته وندمه على ما اقترف من ذنوب طيلة حياته، وبالفعل ركع القاتل وصلى طالبًا من الله أن يتقبل توبته، وهو على استعداد كامل لقبول جزاء ما اقترف من ذنوب جسام، ثم طلبت السيدة الشرطة التى جاءت على الفور للقبض على القاتل الذى ودع السيدة بكل الشكر، لأنها كانت مفتاح توبته وتقديم نفسه للقضاء حتى ينال جزاء ما اقترف من ذنوب.
لعل هذه الرواية التى وصلت تفصيلاتها إلى ملايين من القراء، تظل درسًا متعدد الجوانب، منها أن لكل فعل رد فعل، ولكن فعل الخير لا يقف عند فعله، أو حتى تكراره، بل هو الدرس الذى ينتقل عبر أجيال وبلدان، وأن من كان فى حوزته كامل السلاح لم يستطع أن يدافع عمن كلف بحمايته، بل وحتى عن نفسه حين نجح المجرم القاتل فى خطف السلاح من حامله، وقتل به من كان عليه أن يقوم بحراسته وحماية الحاضرين والجالس على منصة القضاء.
أما ما ارتكبه اللص القاتل، فقد فاق خيال الحضور، بل أذهل كل الحاضرين، أما طلقات الرصاص، وجرم المعتدى الذى لم يكن من الصعب عليه التخلص من السيدة التى اقتحم بيتها وبقيت رهينة عاجزة عن الحركة أو الكلام ولا تستطيع حتى أن تستغيث، بل كل ما استطاعته هو أن تردد بعض نصوص من كلام الله، ثم طلبت منه أن يسمح لها أولًا بإعداد وجبة طعام له، وقد كان أكثر جوعًا، وعندما أدرك اللص القاتل أن السيدة لن تضره، بل قدمت له مع وجبة الطعام درسًا فى الرحمة والتوبة- هنا اطمأن القاتل أن المرأة جادة فى درس المحبة، وطلب العفو والمغفرة له، مما غيّر كل مفاهيمه، وهو الذى ارتكب الفجور والآثام، فطلب منها أن تدعو له بالرحمة والمغفرة، ثم رجاها أن تطلب له الشرطة مبديًا استعدادًا لتسليم نفسه ليعترف بكل جرائمه.
وليس هذا فحسب، بل إنه بدا واثقًا فى رحمة الله وغفرانه، وكان له ما أراد عندما حضر رجال الشرطة للقبض عليه وسلم لهم سلاحه، لكن قبل أن ينصرف شكر السيدة جدًا معبرًا لها عن شكره وعرفانه بجميلها، فقد غيّرت حياته كمجرم عاص، ليصبح على استعدادك أن يلقى جزاء ما اقترف.
وبهذا، تكون السيدة الفاضلة قد نجحت فى إعادة تحويل مجرم خطير، ليصبح حملًا هادئًا وديعًا على ثقة فى مراحم الله وعفوه، ولتؤول قصة حياة إنسان مجرم قاتل مرتكب المعاصى إلى تائب نادم على كل ما اقترف، ومنبهًا لكل من سولت له نفسه لارتكاب معاصٍ أن يغير وجهة حياته، ويرجع إلى الصواب واستقامة الحياة مستندًا فى ذلك إلى رحمة الله ومغفرته لكل تائب راجع إلى طريق الندم والتوبة وخشية الله وخدمة الإنسانية لتطوى صفحة الجريمة والعقاب، لتحل نغمة الفرح وعمل مرضاة الخالق وخدمة الإنسان والإنسانية بلا نزاع ودون تورية.