رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بقاء أردوغان = خراب تركيا


لا حياة لمن تناديه المعارضة التركية، ولو كان لدى أردوغان، بعض الحياة، أو الحياء، لاكتفى بالأزمات الداخلية، التى يواجهها نظامه، بدلًا من محاولاته التغطية على فشله فى معالجتها بمغامرات، مقامرات، أو حماقات خارجية، لم يحقق من ورائها إلا مزيدًا من الخسائر، وجعلت النتيجة الحتمية لبقائه على عرش تركيا، هى بكاء الأتراك، قريبًا، على أطلالها.
الحياة فى تركيا ليست وردية، كما قد تعتقد حين تشاهد العملاء على قنواتها الناطقة بالعربية، أو كما يصوّرها عبيد أردوغان على «الجزيرة» وأخواتها. وإلا ما هاجر حوالى ثلث مليون تركى، خلال سنة ٢٠١٩، بالضبط ٣٣٠ ألفًا و٢٨٩، نصفهم تقريبًا بين سن الـ٢٠ والـ٣٤، فى ظاهرة فسرتها سيرين سيلفين كوركماز، المديرة التنفيذية لمعهد إسطنبول للبحوث السياسية، بأن «الشباب لا يرون مستقبلًا لأنفسهم هنا»، بسبب القمع والاستبداد والأزمة الاقتصادية التى تجتاح البلاد وأوصلت معدلات البطالة والتضخم إلى مستويات قياسية.
تأكيدًا على أن الحياة فى تركيا تبتعد كثيرًا عن اللون الوردى أو «البمبى»، أشار تقرير حديث لمؤسسة «جيت ستون» إلى أن الشباب فى تركيا، لا يرون مستقبلًا فى بلادهم، تحت حكم الرئيس الحالى. كما ذكر تقرير لمؤسسة «سوديف» أن أكثر من ٧٠٪ من شباب تركيا، يعتقدون أن أصحاب الكفاءات لا يستطيعون الحصول على أى فرصة، دون علاقات سياسية. وكنتيجة طبيعية لذلك كله، أظهر استطلاع رأى أن أردوغان لن يحصل على ٢٥٪ من أصوات الناخبين، إذا تم إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، كما أشارت نتائج الاستطلاع نفسه إلى أن حزبه، حزب «العدالة والتنمية»، لن يحقق ٣٠٪ فى الانتخابات البرلمانية، لو جرت الآن.
تركيا، بحسب كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهورى المعارض، تعيش أسوأ الأزمات فى تاريخها، وفى مؤتمر صحفى عقده الأسبوع الماضى، انتقد كليجدار أوغلو السياسة الفاشلة للحكومة فى إدارة الاقتصاد وتبديدها أكثر من ٢ تريليون دولار، لا يعرف أحد أين تم إنفاقها، بينما تواجه تركيا أزمة ديون كبيرة جدًا، وأكد أن استقلال الاقتصاد التركى يواجه خطرًا كبيرًا جدًا، والأخطر هو استقلال القضاء، الذى قال عنه: «نعيش حقبة تبعية القضاء للقصر الرئاسى، ولا بديل عن قيامنا معًا بهدم الجدار، الذى يمنعنا من الوصول إلى العدالة».
هيئة الإحصاء التركية، أكدت أن اقتصاد البلاد شهد أسوأ فترة له بين عامى ٢٠١٥ و٢٠٢٠، ما دفع إسماعيل تاتلى أوغلو، رئيس سياسات التنمية فى حزب الخير التركى، إلى التحذير من استمرار تردى الأوضاع واستنزاف إمكانات البلاد. كما أشار جام أوبا، نائب رئيس السياسات الاقتصادية بالحزب نفسه، إلى أن احتياطى تركيا يتراجع شهريًا بنحو ٥ مليارات دولار، محذرًا من أن احتياطيات البنوك قد يتم استنزافها بالكامل خلال أقل من ثمانية أشهر، خاصة بعد أن توقف تدفق رءوس الأموال الأجنبية على تركيا، واستمرار انصهار الاحتياطى النقدى.
كانت الليرة التركية قد بدأت فى التعافى أمام الدولار، بداية العام الجارى، لكنها سرعان ما انهارت مجددًا، ووصلت إلى أدنى مستوياتها، منذ منتصف مايو، وطبقًا لوكالة «فيتش» للتصنيف الائتمانى فإن التضخم قفز بأكثر من المتوقع، كما أظهرت بيانات حديثة أن التضخم قفز إلى ١٢.٥٪ على أساس سنوى فى يونيو الماضى. والأسبوع الماضى، قام البنك المركزى التركى، على غير المتوقع، بتعليق دورة تيسير، مدتها عام تقريبًا، فى مواجهة انخفاض الليرة بنسبة ١٣٪، ما استنزف مزيدًا من احتياطيات النقد الأجنبى.
الأزمة، التى يمر بها الاقتصاد التركى، كانت، أيضًا، محل اهتمام جريدة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، التى أبدت دهشتها فى تقرير، نشرته الأربعاء الماضى، من مواصلة أردوغان مغامراته العسكرية غير المحسوبة، ودعمه المفتوح للميليشيات الإرهابية فى عدة دول. كما استوقفت مقامرات، حماقات أو أطماع، أردوغان فى سوريا، العراق، ليبيا، السودان، واليمن، مجلة الـ«إيكونوميست»، التى أكدت أنه لا يملك القدرة على تحقيق ما يسعى إليه، ونقلت المجلة البريطانية، فى تقرير نشرته السبت الماضى، عن على أوزكان، المحلل السياسى بمركز «تيباف» للأبحاث، أن تلك المغامرات ليست رخيصة، موضحًا أن عملياته العسكرية فى سوريا وحدها تكلفه سنويًا حوالى ثلاثة مليارات دولار.
فشل الرئيس التركى فى إدارة الأزمات الداخلية، واستمرار مقامراته، حماقاته، أو تحركاته الخارجية المتهورة، من المفترض، فى أى وضع أو سياق طبيعى، أن يؤدى إلى إفلات السلطة من قبضته، غير أنه عصف بالسلطتين التشريعية والقضائية، وأحكم سيطرته على المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، وجعل الشعب التركى خارج المعادلة عبر ديمقراطية هشة، تم تكييفها أو تأييفها، لضمان بقائه وحزبه فى الحكم إلى ما لا نهاية، وعليه، يكون الرهان على مَن يستعملون الرئيس التركى، الذين نعتقد أنهم لم يعد أمامهم إلا التخلى عنه، أو التخلص منه.