رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شجن

احمد الخميسي
احمد الخميسي



كنت أمضى فى الشارع لا أذكر إلى أين حين سمعت عن يمينى صوتًا بدا أنه صوت أحد الأصدقاء، لم أرَ وجهه، لكنى سمعت صوته يقول لى: أخوك إسحق توفى، الله يرحمه.. التفت إلى اليمين فرأيت على قارعة الرصيف أمام عمارة صفين من الكراسى، وفى القلب منها حلقة من الجالسين تتوسطها شابة جميلة فى فستان بنفسجى بصدر مفتوح، لم تكن تضحك أو تبتسم لكن ملامحها كانت تشى بسعادة مكتومة، قلت لنفسى: إن كان الصوت قد نبهنى إلى وفاة إسحق فقد أراد أن ينبهنى إلى أنهم هنا يتلقون العزاء فيه.. تذكرت إسحق، الطيب سيئ الحظ الذى ناكفته الدنيا ولم تعطه حقه لا تقديرًا ولا مالًا ولا جاهًا. جرت دموعى بداخلى حزنًا، تعرجت بين الكراسى وتقدمت أصافح المرأة الشابة مقدرًا أنها زوجته، نهضت وضربت بيدها فستانها تساويه ثم ضغطت على كفى تبثنى بعينيها التأثر والعرفان.. قالت بحرارة: كتر خيرك، كتر خيرك.. اتخذت لنفسى مقعدًا ملاصقًا لجدار العمارة، تراءت لى صور من حياة إسحق الطيبة، وانصياعه السلمى للأقدار، فاغرورقت عيناى بالدموع وسرعان ما انهلّت على وجنتى، كنت منفعلًا، مضطربًا، لا أستطيع البقاء طويلًا.. قمت وقصدت المرأة الشابة، وقفت أمامها بنظرة ثابتة لأودعها، أخذت يدى بين كفيها بعطف وقالت: ليتك تدعو أصدقاءك للحضور إلى عزاء إسحق، إنه على بُعد أمتار من هنا.. تعجبت وأشرت بيدى إلى حيث نقف وأنا أقول مستفهمًا: وهذا؟ الكراسى؟ والناس؟ و.. وأنتِ؟، قالت: لا.. هذا عرس لكنه باحتفال بسيط، أما عزاء إسحق فإنه فى المبنى المجاور، خطوتان من هنا.
شققت طريقى وأنا أتخبط بين الكراسى، هبطت من على الرصيف مرتبكًا مشوشًا، قلت لنفسى: «لكنى بكيت عليه بالفعل ولن يكون بوسعى الآن أن أذهب إلى المعزى وأجلس ثانية وأستثير انفعالى ودموعى بالعمد، ذلك سيكون تأدية واجب، أما الحزن فقد غمرنى داخل العرس».