رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأمير المحظوظ

جريدة الدستور



غمس الكاتب الملكى مرو قلمه فى المحبرة ليعيد كتابة هذه القصة الأثيرة لديه:
- يُحكى أن ملكًا لم يولد له ولد ذكر؛ فدعا آلهة زمانه أن يهبوه ولدًا، فقرروا أن يُولد له ولد.. وفى تلك الليلة، عاشر زوجته، فحملت منه، ولما أتمت أشهر الحمل وضعت ذكرًا. ثم أتت الحتحورات السبع كى يقررن مصيره وقلن:
- إنه سوف يلاقى حتفه على يد تمساح أو حية أو كلب.
وسمع الناس الذين كانوا حول الطفل ذلك الكلام، فنقلوه إلى جلالته على الفور، وعند سماعه ذلك صار الملك حزين القلب بشدة، وأمر أن يُبنى للأمير بيت من الحجر فى الصحراء، وأن يُجهز بالخدم وبكل شىء جميل يليق ببيت ملكى، وأمر بألا يغادر ابنه ذلك البيت إلى خارجه أبدًا.
ولما كبر الطفل بعض الشىء صعد إلى سطح البيت ولمح كلبًا يتبع رجلًا يمشى فى الطريق، فقال لخادمه الذى كان واقفًا بجانبه:
- ما هذا الذى يتبع الرجل فى سيره؟
- إنه كلب.
- أحضر لى واحدًا مثله.
فذهب الخادم وأخبر الملك بذلك، فقال جلالته:
- أحضروا له جروًا صغيرًا حتى لا يحزن قلبه.
فأحضروا له جروًا صغيرًا.. وبعد أن مضت أيام كثيرة، كبر الطفل جسمًا وعقلًا، وأرسل إلى والده يقول:
- ما فائدة وجودى هنا؟ انظر! إنى قد صرت فى يد القدر، دعنى حرًا طليقًا حتى أفعل ما أحب، وإن الإله سيفعل بى ما فى قلبه.
فأصغوا إليه، وأمروا أن يُعطى عربة مجهزة بكل نوع من العدة والعتاد، وتبعه خادمه كرفيق يحمل الدرع له، ثم عبروا به إلى الشاطئ الشرقى، وقالوا له:
- اذهب حيث شئت.
وقد كان كلبه معه، ثم سار فى الصحراء وراء ما يميل قلبه له، وعاش على أحسن لحوم صيد الصحراء حتى وصل إلى ملك النهرين، ولم يكن قد وُلد لملك النهرين إلا بنت واحدة، وقد أقام لها بيتًا، شرفته على ارتفاع ستة وخمسين ذراعًا من الأرض، وقد أحضر كل أولاد ملوك بلاد سوريا، وقال لهم:
- إن من يصل إلى شرفة بنتى ستكون زوجة له.
وبعد انقضاء عدة أيام، مرّ بهم الأمير وهم يقومون بعملهم اليومى، فأخذوا الأمير إلى بيتهم فاغتسل، وأعطوا علفًا لحصانه، وقد قاموا بكل خدمة لهذا الأمير؛ فدلكوه ولفوا قدميه وأعطوا طعامًا لتابعه، ثم قالوا له من باب التعارف:
- من أين أتيت أيها الأمير الجميل؟
- إنى ابن ضابط من أرض مصر، وقد ماتت والدتى، فاتخذ والدى له زوجة أخرى، وقد بدأت تكرهنى، فقررت الهروب من وجهها.
وعند ذلك، ضموه إلى صدورهم وقبّلوه كثيرًا، وبعد مرور أيام عديدة، قال للشباب:
- ما هذا الذى تفعلونه؟
- نحن هنا منذ شهور مضت، ونقضى وقتنا فى الطيران؛ لأن من يصل منا إلى شرفة بنت ملك النهرين فإنه سيهبها له زوجة.
- ليتها تكون لى، فإذا أمكننى أن أسحر ساقى فسوف أذهب كى أطير معكم.
وذهبوا جميعًا للطيران حسب عادتهم اليومية، ولكن الأمير الشاب وقف بعيدًا يراقبهم، وكانت عين بنت ملك النهرين متجهة نحوه.
وبعد مرور عدة أيام، جاء الأمير ليطير مع أولاد الملوك، فطار ووصل إلى شرفة بنت ملك النهرين، فقبّلته وضمته كثيرًا، فذهبوا ليخبروا والدها بذلك الخبر، وقالوا له:
- إن رجلًا قد وصل إلى شرفة بنتك.
- ابن مَنْ فى الملوك هو؟
- إنه ابن ضابط قد جاء من أرض مصر هاربًا من وجه زوجة والده.
ولكن ملك النهرين استشاط غضبًا، وقال:
- هل أعطى ابنتى لطريد مصر؟ دعه يبتعد من هنا.
فأتوا على مكانه كى يخبروه قائلين له:
- ارجع إلى المكان الذى أتيت منه.
غير أن الابنة أمسكت به وحلفت يمينًا قائلة:
- بحياة الإله، إذا أخذتموه بعيدًا عنى فلن آكل ولن أشرب وسأموت فى الحال.
وعند ذلك ذهب الرسل وأخبروا والدها بكل ما قالت، فأرسل الملك أناسًا كى يقتلوه فى الحال، غير أن البنت قالت:
- بحياة الإله، إذا قتلتموه فإنى عند مغيب الشمس سأكون ميتة، ولن أعيش بعده ساعة واحدة.
فذهبوا ليخبروا والدها بذلك، فملأ الخوف قلب الملك على ابنته، فطلب منهم أن يحضروا الشاب له، فدخل الأمير الشاب عليه، فضمه والدها وقبّله مرات، وقال له:
- أخبرنى عن حالك، انظر، إنك من الآن ابن لى.
- إنى ابن ضابط من أرض مصر، وماتت والدتى فاتخذ والدى له زوجة أخرى، وأخذت تكرهنى، فهربت من وجهها.
وعند ذلك، رأف به قلب والدها، ووهب له ابنته زوجة، وقدم له حصانًا، وكذلك ضيعة وكل أنواع الماشية الطيبة.
وبعد مرور أيام عديدة على ذلك، قال الشاب لزوجته:
- لقد قُدّر لى أن أموت بواحد من ثلاثة: التمساح أو الحية أو الكلب.
- إذن فليُقتل الكلب الذى يتبعك.
- لن أقتل كلبى الذى ربيته منذ أن كان جروًا صغيرًا.
وأخذت زوجته تراقب زوجها بدقة دون أن يشعر، ولم تكن تدعه يذهب إلى الخارج وحده.
وكانت هناك فى ضيعة الأمير الشاب بحيرة، وكان بها تمساح وعفريت ماء، ولم يكن عفريت الماء يسمح للتمساح بأن يخرج منه أبدًا، ولكن عندما نام التمساح انتهز عفريت الماء الفرصة وخرج للنزهة، ثم عاد عفريت الماء إلى البحيرة، وعندما أشرقت الشمس وقف التمساح وعفريت الماء يتحاربان لمدة شهرين كاملين.
وبعد انقضاء أيام عدة على ذلك، جلس الأمير الشاب يُمتِّع نفسه فى بيته، وعند حلول الليل نام الشاب على سريره وأخذه النعاس تمامًا، غير أن زوجته القلقة بشدة عليه قد ملأت كأسًا بالخمر وأخرى بالجعة، وعند ذلك خرجت حية من جحرها كى تلدغ الأمير، فشربت الحية من كأس الخمر حتى ثملت واستلقت على ظهرها، وكانت زوجته يقظة جالسة بجانبه، فقضت على الحية بضربة قاضية من فأسها الحادة القوية، ثم أيقظت زوجها وأخبرته، وقالت له:
- انظر، لقد وضع الإله أحد أقدار نهايتك فى يدك، وسيسلم لك الآخران أيضًا، فقدم قربانًا إلى الإله وامدحه وعظِّم من قوته كل يوم؛ لأنه كان السبب فى إنقاذك هذه المرة.
وبعد مرور أيام كثيرة على ذلك، خرج الأمير للتنزه على الشواطئ فى ضيعته دون أن يخرج منها، وقد كان كلبه يتبعه، وقد أعطى للكلب قوة الكلام، فقال له:
- إنى قدرك الذى قُدر لك، وسوف تكون نهايتك على يدىّ.
فهرب الأمير منه بسرعة، ووصل إلى البحيرة، ونزل فيها كى يهرب من كلبه الأثير الذى يريد القضاء عليه، فقبض التمساح على الأمير الشاب، وذهب به إلى المكان الذى كان يسكن فيه عفريت الماء فى البحيرة.
وعند ذلك قال التمساح للأمير الشاب:
- إنى أنا قدرك الذى يتبعك، وإنى على وشك محاربة عفريت الماء، فانظر سأطلق سراحك، ولكن إذا ساعدتنى كى أحارب وأقضى على عفريت الماء، عندها سوف تصفق لى إعجابًا بى عندما أقتل عفريت الماء أمامك وأطلق سراحك.
ثم انبثق الفجر وحل اليوم الثانى..
وهنا انتهت البردية التى كُتبت عليها القصة دون ذكر نهاية الأمير، غير أن نهاية الأمير ربما جاءت على يدىّ كلبه الذى رباه عندما كان جروًا صغيرًا.
مقطع من رواية: «إيبو العظيم»