رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نهال كمال تتذكر «2»: النجمة شريهان

شريهان
شريهان


تعوّدنا يوم الجمعة أن يكون يوم الأسرة، تأتى آية ونور لقضائه مع والدهما، وكان عبدالرحمن لا يستقبل فيه أى ضيوف ويعتذر بأنه يوم البنات، ولكن فى تلك الجمعة استأذنه المخرج خالد يوسف للحضور مع الإعلامى محمود الوروارى، وفى الطريق إلى الإسماعيلية اتصل خالد يوسف بعبدالرحمن قائلًا: «فيه حد جاى معايا عايز يكلّمك ويستأذنك فى الزيارة».
فوجئ أن التى على الهاتف هى شريهان، ففرح جدًا وقال لها: «يا خبر أبيض هو إزّاى مايقولّيش، أنا مش عامل حسابك فى الغدا، أنا عامل حسابى على اتنين بس، وانتى ليكى وضع تانى»، فردّت عليه: «يا عبدالرحمن أنا مش عايزة حاجة، أنا عايزة أشوفك بس، أنا نفسى أجيلك من زمان». أغلق السماعة وأخبرنى بزيارة شريهان، وقال لى: «الحقى شريهان جايه وإحنا مش عاملين حسابنا، شوفتى إزّاى يعمل فيّا الفصل دا، شريهان جايّه أول مرة عندنا وإزّاى مانعملش حسابنا». وكان عبدالرحمن يهتم جدًا بكرم الضيافة كعادة أخلاق أهل الصعيد، ويحرص على تقديم الطعام للضيوف أشكالًا وألوانًا، وله أصناف خاصة يهتم بها بالذات، كصينية البطاطس وطاجن العكاوى الشهير الذى يعرفه كل من زار الأبنودى فى بيته.
حضرت شريهان حاملة معها كمًا هائلًا من الحلويات، فمازحها عبدالرحمن قائلًا: «إحنا حنفتح محل حلويات»، وعاتبها على مفاجأتها له بالزيارة وأنه كان عايز يعمل لها عزومة تليق بها، فردت عليه قائلة بأن «مافيش بينا الكلام دا». وكعادة شريهان كانت أنيقة جدًا فى مظهرها ولكن ببساطة تتلاءم مع المكان الريفى ولا تُشعرك بأن كل ما ترتديه قد اختارته بعناية شديدة.
قرر عبدالرحمن أن نجلس أمام المكتبة تحت شجرتى آية ونور، وجلسنا جميعًا فى نصف دائرة وكانت آية هى التى تقوم بتصويرنا، وبدأ الحوار المخرج خالد يوسف عن فيلم «الطوق والأسورة» الذى قامت ببطولته شريهان والذى كتب حواره عبدالرحمن عن قصة يحيى الطاهر عبدالله، وكان عبدالرحمن متحفظًا على اللهجة فى الفيلم الذى أخرجه خيرى بشارة، فقد أراد أن يكون حاضرًا لتصويره كما حدث فى «شىء من الخوف» أو يسجل اللهجة الصحيحة حتى يكون الكلام مفهومًا بشكل أفضل. كما تطرق الحديث إلى فيلم «عرق البلح» الذى كتب فيه أغنية «بيبا» والتى حققت نجاحًا كبيرًا وأدّتها شريهان بأسلوبها الخاص، وقال عبدالرحمن إن المخرج رضوان الكاشف طلب منه أن يكتب أغنية «مافيهاش معنى وفيها كل المعنى»، فقال له: «إزاى يعنى، أنت فاكرنى حاوى؟!»، ثم استدعى الأغانى التى كانت تغنّيها له والدته «فاطنة قنديل» فى طفولتها فكانت أغنية «بيبا»، وتحمست شريهان، ووجدناها تقف فجأة وترفع يديها وتضرب الأرض بقدميها وتحكى لنا كيف كان المخرج المبدع رضوان الكاشف يوجهها وكيف كانت تنفّذ كل ما يطلبه منها بدقة، وحرص عبدالرحمن على أن تقوم آية بتصوير كل ما يجرى حتى يكون ذكرى لنا، ثم أحس أنه لا بد أن نكمل حديثنا بعد الغداء فقال لشريهان: «خدى آية ونور اتمشوا شوية فى الجنينة لغاية ما نحضّر السفرة لتناول الغداء». وكعادة عبدالرحمن كان يشرف على كل التفاصيل بنفسه، ولمّا تأكد من إتمام كل شىء دعا الجميع لتناول الطعام، وكرر الاعتذار لشريهان عن تقصيرنا فى القيام بالواجب، وقال لها: «العزومة دى مش محسوبة ولازم تيجى مرة تانية ونكون محضّرين نفسنا». وبعد الغداء جلسنا فى المكتبة لشرب الشاى، وحكت شريهان عن تجربتها العصيبة مع المرض، وكيف واجهتها بشجاعة وإيمان، وكيف اجتمع أكثر من طبيب لإجراء أكثر من عملية فى توقيت واحد، كلٌّ فى تخصصه، وكنا نسمع منها ونحن مذهولون كيف استطاعت أن تتحمل كل هذه الآلام والأوجاع لتعود إلى الحياة سليمة ومعافاة وتذهب إلى الحج، وقلت لها: «أنا عارفة إنك حجيتى لأنى كنت باحج فى نفس السنة وكانت كل السيدات بعد ما ترجع من زيارة الحرم كانوا بيقولوا دى شريهان بتحج إحنا شوفناها وسلّمنا عليها».
مرت الزيارة سريعًا واتفقنا على تكرارها ولكن كانت الأولى والأخيرة.
بيبا عمّى حمادة.. بيبا جابلى طبق.. بيبا مليان نبق.. بيبا جاللى كُلى.. بيبا جلت له ماكُلش.. بيبا ودِّيه لامّك.. بيبا أمى بعيد.. بيبا أمى بعيد.. بيبا آخر الصعيد.. بيبا والصعيد مات.. بيبا خلّف بنات.
«أغنية (بيبا) من فيلم (عرق البلح)»