رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«في الذكرى الـ 29 منذ رحيله».. طه حسين عن «يوسف إدريس»: قاص بالفطرة

يوسف إدريس
يوسف إدريس

لقبوه بـ"أبوالقصة العربية"، وتشيخوف الشرق. هجر الطب من أجل عيون الأدب، ولكن بواكير حياته التي عمل فيها طبيبًا، كانت الزاد والتجربة الحياتية الحية التي منها استمد قصصه وحكاياته، فجاءت رائعته "الحرام" تعبيرًا حيًا عن الشقاء والبؤس الذي عاشه الفلاح قبل ثورة يوليو. إنه الدكتور يوسف إدريس، والذي تحل اليوم الذكري الـ29 لرحيله عن عالمنا.

قال عنه يحيي حقي: "إن أردنا أن نضرب مثلًا للموهبة، فإن يوسف إدريس في جيلنا هو خير مثل لامتلاك الموهبة القصصية، لا أحس في قصصه بأي افتعال، ولا أي سوقية، ولا أي سهولة أو إسهال فكري، بل منذ أول سطر تحس أنك أمام قوة موهبة صادقة يكفي أنه كان كالخط الفاصل في تطور القصة المصرية، بحيث تستطيع أن تؤرخ لها بقولك قبل يوسف إدريس وبعد يوسف إدريس".

بدوره يكشف الروائي خيري شلبي عن أن وسامته الملحوظة لفتت انتباه المخرج يوسف شاهين فعرض عليه التمثيل، ولكن إدريس أبى أن يفكر مجرد التفكير في قبول هذه الدعوة. ولو أنه وافق لانتقل التمثيل السينمائي في مصر نقلة خرافية، ولظهر من المؤلفين والمخرجين من هو علي مستوي هذه الموهبة. ولكننا في هذه الحالة كنا سنخسر هذه الثورة الأدبية التي شملت الأدب العربي ونقلته إلي مستوي شاهق يناطح الأدب العالمي، والتي قادها يوسف إدريس منذ بداية الخمسينيات وظل يقودها ويغذيها بالوقود حتي رحيله الفاجع في أوائل التسعينيات.

دخل يوسف إدريس ميدان الأدب من باب السياسة، فكل أبناء جيله من عمالقة الأربعينيات كانت السياسة قدرهم. وزملاء إدريس في كلية الطب ممن يشتغلون بالسياسة وكان بعضهم يكتب في الأدب، مثل محمد يسري أحمد، صلاح حافظ وغيرهما. كان يسري أحمد وصلاح يكتبان القصة القصيرة بنضج مبكر، ويقرآن على "الشلة" ما يكتبان فيفتتنان بيوسف، يخاطبان فيه كاتبًا موهوبًا، فشرع يقلدهما لا لشيء إلا لكي يبدو هو الآخر ذا اهتمامات أدبية مثلهما، ويقرأ عليهما فبدأ يكتب الأقاصيص، ثم ما لبث حتى اكتشف الأدب والقصة القصيرة بالذات، كسلاح ناجح يناضل به في معركة التحرر الوطني ونشر العدالة الاجتماعية والوعي الاجتماعي والحضاري بين الناس.

يتابع شلبي: "كانت مجموعته الأولي «أرخص ليالي» ثورة عارمة في ميدان القصة القصيرة، لفتت إليه الأنظار بقوة لدرجة أن عميد الأدب العربي طه حسين طلب منه أن يسلمه مخطوطة مجموعته الثانية ليكتب لها مقدمة. وبالفعل صدرت المجموعة الثانية بعنوان "جمهورية فرحات" بمقدمة لطه حسين، قال فيها من بين ما قاله: "إن يوسف إدريس خلقه الله ليكون قاصًا، إنه قاص بالسليقة، وقصصه جيدة بكل معنى الكلمة، في الأسلوب والبناء واللغة، تقدم الواقع المصري من منظور جديد أكثر عمقًا وصدقًا وشمولية، تكشف عن أبعاده الدفينة، عن أعمق أعماقه غير المرئية. تقدم الناس كما هم في الحياة، كما يعيشون ويفكرون ويشعرون تقدمهم كناس من لحم ودم، لهم سماتهم وملامحهم ومكوناتهم الإنسانية، فيتعرف عليهم القارئ ويعاشرهم ويحبهم ويتبني أوضاعهم وهمومهم ومشاكلهم.