رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هيئة الأناضول المخابراتية البريطانية


الخليط الموجود فى العنوان، يصلح اسمًا، أكثر واقعية، لهيئة الإذاعة البريطانية، بى بى سى، التى أرادت، على الأرجح، أن تحتفى بخبر تعيين مرشد بريطانى جديد للتنظيمات الإرهابية، ونشرت خبرًا عنوانه «الحرب فى سوريا: تقارير تركية تؤكد إرسال مصر قوات إلى مناطق شمالى الأراضى السورية»، مع أنها لم تنقل المتن أو المحتوى، إلا من شائعة، واحدة ووحيدة، أطلقتها وكالة أنباء «الأناضول»، التركية الرسمية، ونفاها المرصد السورى لحقوق الإنسان!
عن طريق «سمكرى خياط جندى جاسوس»، Tinker Tailor Soldier Spy، شرحت رواية شهيرة للبريطانى «جون لوكاريه» حملت هذا العنوان، كيف تمكّنت المخابرات السوفيتية سابقًا، الروسية حاليًا، من اختراق الهرم الأعلى فى المخابرات البريطانية. وهى الرواية، التى صدرت سنة ١٩٧٤، وشاهدناها فيلمًا بتوقيع المخرج توماس ألفريدسون، فى ٢٠١١، قام ببطولته جارى أولدمان، كولين فيرث، وتوم هاردى. وعليه، لن يكون مفاجئًا، لو تورطت عناصر فى الخارجية، المخابرات، أو هيئة الإذاعة البريطانية، مع شبكات تجسس أو ميليشيات إرهابية.
طبقًا لما كتبه محمد مستو وبراق قره جه أوغلو، فى الوكالة التركية ونقلته الهيئة البريطانية، فإن «١٥٠ جنديًّا مصريًّا» ينتشرون الآن، فى ريفى حلب الغربى وإدلب الجنوبى بالتنسيق مع الحرس الثورى الإيرانى»، حسبما قالت مصادر وصفتها الوكالة بأنها «عسكرية وموثوقة». وأشارت المصادر «التى لم تحدد الوكالة هويتها»، إلى أن «الجنود المصريين دخلوا سوريا عبر مطار حماة العسكرى». غير أنها «لم تشر إلى توقيت دخول هؤلاء الجنود الأراضى السورية».
لا مصدر معلومًا، لا توقيت محدّدًا، ولا أى منطق أساسًا فى إرسال جنود، لا يكفى عددهم لملء صوان جنازة «عم باخ» فى فيلم «اللمبى»، ومع ذلك، نشرت الهيئة، الخاضعة لسيطرة الخارجية البريطانية هذا الكلام الفارغ، وزعمت فى عنوانه أن هناك تقارير، جمع تقرير، تؤكده. ثم أضافت، بزعم المهنية، أنه «لم يصدر رد فعل فورى، سواء من مصر أو سوريا، على هذه الادعاءات». قبل أن تشير إلى أن مصر دعت مرارًا إلى ضرورة الحفاظ على الدولة والجيش فى سوريا، وإلى أن تركيا تؤيد «فصائل مسلحة» تسعى إلى إسقاط حكم الرئيس بشار الأسد.
طبيعى ألا يصدر رد فعل «فورى» مصرى أو سورى، على هذه الادعاءات أو الشائعات، التى نفاها «المرصد السورى لحقوق الإنسان»، كما أشرنا، أما غير الطبيعى فهو أن تصف «بى بى سى» إرهابيين ينتمى معظمهم إلى داعش، القاعدة، وجماعة الإخوان، بأنهم «فصائل مسلحة»، وتزعم أن تركيا تؤيدهم فقط، بينما الثابت والمؤكد هو أن الجيش التركى قام بتدريب هؤلاء الإرهابيين وتسليحهم وقاتل إلى جوارهم ونقل الآلاف منهم إلى ليبيا، تحت سمع العالم وبصره.
المهم هو أن مرشد التنظيمات الإرهابية الجديد، أو مدير المخابرات الخارجية البريطانية، المعروفة اختصارًا بـ«إم آى ٦»، الذى تم الإعلان عن خبر تعيينه، أمس الأول الأربعاء، يعمل الآن مديرًا عامًا للشئون السياسية فى وزارة الخارجية، ومن مهامه تنفيذ سياسات المملكة المتحدة الخارجية، ما يعنى إشرافه المباشر على هيئة الإذاعة البريطانية وأخواتها.
اسمه مور ريتشارد مور، مولود فى ليبيا، لأبوين بريطانيين، ويتحدث اللغة التركية بطلاقة، وكان سفيرًا لبلاده لدى تركيا، منذ يناير ٢٠١٤ إلى ديسمبر ٢٠١٧. وبالتالى، لا يمكن أن تنشر الهيئة أو تتورط فى نقل شائعة كهذه، دون الرجوع إليه، لو افترضنا أنه ليس مَن أمر بنشرها، لغرض فى نفس زملائه فى المخابرات التركية، قد يكون، غالبًا، هو التعتيم على خيبات تركيا الثقيلة فى سوريا، العراق، ليبيا، وفى شرق المتوسط، أو لـ«الغلوشة» على وصلات الردح المتبادلة الآن بين عملاء، أو غلمان، الأتراك والبريطانيين فى وسائل الإعلام الإخوانية.
درس مور الفلسفة والسياسة والاقتصاد فى جامعة أكسفورد. وانضم إلى جهاز «إم آى ٦» سنة ١٩٨٧، ومن المقرر أن يتولى منصبه الجديد فى الخريف المقبل، خلفًا لأليكس يونجر، الذى يرأس الجهاز منذ ست سنوات. وتعليقًا على خبر تعيينه، قال وزير الخارجية دومينيك راب: «يعود مور إلى جهاز المخابرات بخبرة هائلة وسوف يرأس مجموعة من الرجال والنساء لا يرى الشعب جهودهم الدءوبة إلا نادرًا». فى حين قال مور: «يسرنى ويشرفنى أن يُطلب منى العودة لقيادة الجهاز، وأتطلع لمواصلة هذا العمل جنبًا إلى جنب مع فريق شجاع ومخلص».
الحقيقة، التى يعرفها القاصى والدانى والواقف بينهما، هى أن «مور» لم يذهب إلى مكان آخر حتى يعود، وأنه كان يخدم فى الجهاز، ولا يزال، من وراء ستار دبلوماسى. وكانت له صولات وجولات فى منطقة الشرق الأوسط، بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية، التركية، والإسرائيلية. ونتمنى ألا يفشل، كما فشل رئيس الجهاز الحالى، فى منع الإرهابيين من تنفيذ عمليات فى قلب العاصمة البريطانية. وكل عيد أضحى وأنتم بخير!