رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا رفضت اليونان العرض التركى؟



التفاوض تحت التهديد هو نوع من الابتزاز. وكما نجح الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، فى ابتزاز أوروبا بالمهاجرين والدواعش، أراد ابتزاز اليونان، لنهب جزء من نصيبها ونصيب قبرص فى غاز شرق المتوسط. وحين قوبلت محاولته بـ«عين حمراء» اضطر إلى التراجع، خطوة أو اثنتين، ولجأ إلى صيغة أكثر نعومة للابتزاز، قوبلت أيضًا بالرفض.
بمجرد ظهور العين اليونانية الحمراء، قامت تركيا بسحب سفنها العسكرية من بحر إيجه، وقال إبراهيم كالين، المتحدث باسم أردوغان أمس الأول، الثلاثاء، إن بلاده قد توقف عمليات استكشاف الغاز فى شرق البحر المتوسط لبعض الوقت، انتظارًا لمحادثات مع اليونان. وأشار فى حوار مع قناة «سى إن إن ترك» إلى أن الرئيس التركى طلب تعليق أنشطة التنقيب، واصفًا ذلك بأنه «نهج بنّاء تجاه المفاوضات». غير أن نيكوس ديندياس، وزير الخارجية اليونانى رد أمس، الأربعاء، بأنه لا يوجد مسار متفق عليه لبدء المباحثات مع أنقرة فى الوقت الحالى. وأكد فى حوار مع قناة «ERT» الرسمية، أن بلاده ترفض التفاوض تحت التهديد.
اليونان تقع فى قلب طموحات أو أحلام أردوغان التوسعية. وليس خافيًا، أو سرًا، أن الاتفاق الذى وقعه المذكور، أواخر العام الماضى، مع غلامه فايز السراج، لترسيم الحدود الوهمية بين ليبيا وتركيا، كان أحد أهدافه ابتلاع جزر يونانية. وعليه، كان طبيعيًا أن تظل البوارج العسكرية اليونانية منتشرة فى بحر إيجة، وأن تستمر حالة «التأهب» الكاملة، دون أى التفات إلى انسحاب السفن التركية، أو إلى عرض المتحدث باسم أردوغان. كما سبق أن حذّر وزير الخارجية اليونانى، منذ أيام، من أن سلوك تركيا فى شرق المتوسط يهدد تماسك حلف شمال الأطلسى.
التوتر بين البلدين العضوين فى حلف شمال الأطلسى، قائم منذ فترة، بسبب عدد من الملفات، أبرزها المجال الجوى لكل منهما، والحدود البحرية. وزادت حدة ذلك التوتر مع محاولات تركيا التنقيب عن الغاز قبالة سواحل قبرص، الحليف الوثيق لليونان. ثم تصاعد التوتر إلى أعلى مستوياته، الأسبوع الماضى، بعد أن أصدرت البحرية التركية نشرة تحذيرية بشأن إجراء عمليات مسح قرب سواحل جزيرة كاستيلوريزو اليونانية. وتحدثت تقارير ألمانية، عن نجاح المستشارة أنجيلا ميركل فى منع صدام عسكرى بين أنقرة وأثينا.
إلى الآن، لم يواجه الاتحاد الأوروبى الرعونة التركية إلا بعقوبات شكلية. وفى ١٣ يوليو الجارى، اتفق وزراء خارجية الاتحاد على إعداد قوائم إضافية لتلك العقوبات. وخلال قمة قادة الاتحاد الأوروبى، التى انعقدت الأسبوع الماضى، لمناقشة خطة إنعاش الدول المتضررة من فيروس «كورونا المستجد»، قال كيرياكيس ميتسوتاكيس، رئيس الوزراء اليونانى: «لا يمكن للاتحاد الأوروبى الصمت على انتهاك تركيا سيادة دولتين عضوين فى الاتحاد». وفوق ذلك، دعا الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، الخميس، إلى عقد قمة، لدول المتوسط الأوروبية السبع «يورو ميد ٧»، نهاية أغسطس القادم، لمناقشة التطورات الأخيرة فى البحر المتوسط.
فرنسا، إسبانيا، البرتغال، إيطاليا، اليونان، مالطا، وقبرص، هى دول «يورو ميد ٧». وجاءت دعوة الرئيس الفرنسى خلال استقباله نظيره القبرصى نيكوس أناستاسيادس. وأتبع دعوته بالتأكيد على أن الاتحاد الأوروبى سيرتكب خطأ جسيمًا إذا ترك أمنه فى المتوسط «فى يد أطراف أخرى»، ثم طالب بفرض مزيد من العقوبات على منتهكى المجال البحرى اليونانى والقبرصى، فى إشارتين مباشرتين إلى تركيا.
الإشارة هنا قد تكون مهمة إلى ذلك الاتصال التليفونى، الذى جرى الخميس الماضى، بين رئيس الوزراء اليونانى والرئيس عبدالفتاح السيسى. والذى أشاد فيه ميتسوتاكيس بـ«الجهود المصرية المخلصة» لتسوية النزاع الليبى، مؤكدًا أهمية العودة إلى المسار السياسى كحل أصيل للأزمة الليبية. واتفق الزعيمان على رفض التدخلات الأجنبية غير المشروعة، التى تزيد من تفاقم الأوضاع الأمنية على نحو يؤثر على استقرار المنطقة بالكامل، وتوافقا على أن منتدى غاز شرق المتوسط من شأنه أن يفتح آفاق التعاون بين دول المنطقة فى مجال الطاقة والغاز.
المشروع الأردوغانى التوسعى قائم، أساسًا، على النهب والتخريب ونشر الفوضى. وبعد أن تمكّن من تخريب سوريا، حاول تأجيج الصراعات فى العراق وإشعال الأوضاع فى ليبيا. وجابت سفنه البحر المتوسط، لفرض أمر واقع يتيح له نهب ثروات قبرص واليونان. غير أن الرئيس التركى، كأى لص، يُصاب بالشلل حين يرى عينًا حمراء، أو كما يُقال: «يخاف ما يختشيش». ولاحظ أنه لم يلتفت إلى تحذيرات الاتحاد الأوروبى التى تكررت، طوال السنة الماضية.
الخوف، ولا شىء غيره، هو الذى جعل أردوغان يقف كالفأر المبلول أمام الخط الأحمر، الذى رسمته له مصر فى ليبيا، وأجبره على سحب سفنه من المياه الإقليمية اليونانية. وبغير الخطوط والعيون الحمراء، لا يمكن التعامل مع «البلطجة» التركية، فى أى قضايا إقليمية ودولية.