رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشرطة والقوات المسلحة.. وجهان لعملة الحماية لمصر


سيهل علينا عيد الأضحي المبارك وسيظل رجال الشرطة والقوات المسلحة يمارسون عملهم في توفير الأمن والحماية لمواطني هذا الشعب بكل التفاني والإخلاص، في حين ننعم نحن بقضاء عُطلة العيد مع أسرنا بفضل الإحساس بالطمأنينة.

وبعيدًا عن المغرضين، كل الرجاء ألاّ ننساق وراء من يتخذ من بعض التصرفات السلبية لقلة لا تذكر من رجال الشرطة، ذريعة للهجوم عليها والتنكيل بها، فلكل قاعدة شواذ، وكل مهنة بها البعض ممن يشذ عن السياق العام بتصرفات فردية محضة، لا يجب أن نجعلها تنسحب على الجميع، لنُوصم كل مهنة بالخارجين على أصولها فى كل مجال.

هيا لنجعل التكريم لرجال الشرطة فى كل أيام العام، وليس مقصورًا على احتفالية لذكرى معينة فى يوم معين فرجال الشرطة معرضون فى كل لحظة للخطر، ونحن ننام ملء الجفون وهم يسهرون لحمايتنا وحماية الأرض والعرض ويتساقطون شهداء بفعل الرصاص الغادر ثمنًا يدفعونه بخسا عن طيب خاطر فداء للوطن.

مَن منَّا لا يذكر دور ضابط الشرطة الذي قدمه الفنان القدير يوسف وهبي في فيلم حياة أو موت، عندما أصيب رجل بأزمة وأرسل ابنته لشراء الدواء، لكن الطبيب يكتشف بأن الدواء الذي باعه هو سم قاتل، ليُساعده ضابط الشرطة يوسف وهبي في العثور على الرجل قبل أن يتعاطى الدواء، فأصبح الفيلم علامة بارزة وأكليشيه من أكليشهات السينما المصرية، لتعظيم دور رجل البوليس وتصديه للمواقف الإنسانية، وخرجنا منه بالعبارة الشهيرة التي مازال المصريون يرددونها والتي تم توجيهها عبر"الراديو": "إلى الساكن في دير النحاس لا تشرب الدواء.. الدواء به سمٌ قاتل"!

ومع التطورات المجتمعية في الواقع المصري، اتخذ دور رجل البوليس منحى آخر في حياتنا وأبرزته السينما المصرية بعدما اشتدت الحملات الصحفية على الإضاءة على تقزيم دور رجل البوليس، وانحساره وقوقعته في الوصول في اللحظات الأخيرة والقبض على المجرمين بعبارة: "اقبض عليهم ياعسكري".. مع شريط النهاية وإضاءة أنوار الصالة، كإشارة لانتصار الخير على الشر في نهاية الأحداث.

وخروجًا على هذا الإطار، قدمت السينما المصرية نماذج قوية لشخصية ضابط الشرطة؛ كانت السبب الرئيس في حب البعض لهذه المهنة، أو سببًا لابتعادهم عنها ونفورهم منها، كما حدث في فيلم "إحنا بتوع الأوتوبيس" كإسقاط على مدى بشاعة الحقبة البوليسية في فترة من فترات حكم مصر في فترة السبعينيات من القرن الماضي، والإضاءة على استخدام القمع والتعذيب لكل المساجين أصحاب الرأي والقلم، لكن يظل الكوميديان الرائع إسماعيل يس خالدًا في الأذهان ولا يعترينا الملل من مشاهدته والتفاعل معه خلال أدواره المحفورة في وجداننا كرجل بوليس، خاصة في سلسلة تحمل اسمه مقرونا به: إسماعيل يس في البوليس، إسماعيل يس في البوليس الحربي، إسماعيل يس بوليس سري، ولم ينس أيضًا القيام بتعظيم رجل القوات المسلحة في أدواره العديدة في الجيش والأسطول، كوجه ثانٍ لتعظيم دور الرجال حماة الوطن من كل الخطوب داخل الوطن وعلى حدوده المقدسة.

للحقيقة والتاريخ لم تقف السينما المصرية مكتوفة الأيدي أمام رجل البوليس الإنسان؛ الذي تتحكم فيه النفس الأمَّارة بالسوء، وإلقاء الضوء على تجاوزات النفس الإنسانية وانصياعها لشهوة السلطة والقمع والقهر حتى على بني جلدته من المصريين، فجاء فيلم هىَّ فوضى كنبوءة سينمائية أُنتجت في 2007 لثورة الشعب وانتفاضته ضد السلطة في يناير 2011، فكان رجل البوليس الفنان خالد صالح، رحمه الله، الذي قام بتوظيفه المخرج العبقري يوسف شاهين هو يد السلطة التي تبطش بأصحاب الفكر؛ للوصول إلى تحقيق المآرب الشخصية في عالم الجنس والمال والتسلط اللامحدود في البلاد والعباد.

ويمكننا القول إن السينما بهذا التجسيد الرائع لتلك الفترة المظلمة من حكم مصر؛ تفوقت على مقولة: "اعطنى مسرحًا وخبزًا أعطيك شعبا عظيما "؛ وهي مقولة مهمة جدًا، تنسب إلى وليام شكسبير؛ لنعيد تركيب الجملة من جديد لنقول على لساني:"اعطني سينما جادة أعطك شعبًا أكثر من عظيم"، لأن السينما هي مرآة المجتمع على الدوام، وهي الدفة لحركة سفينة المجتمع في بحار العالم المتلاطم الأمواج من المشاكل والحروب، والتطلعات إلى الاحتلال الفكري والثقافي للشعوب المغلوبة على أمرها، فكان لا بدّ للسينما الجادة أن تمسك بالدفة للخروج والهروب من العثرات في جبال الثلج القابعة تحت سطح المجتمع الدولي الموَّار بكل التفاعلات المضادة.

ولِقناعتي بأن الفن لا بدّ أن يعكس واقع الفرد والمجتمع وأحلامهما معًا؛ بل وتطلّعاتهما إلى ضرورة وجود صورة توثيقية أو وثائقية لحال المجتمع في فترة "ما" من الفترات؛ لتجسيد الطموحات والآمال العريضة التي يحلم بها الإنسان كـ "لبنة" في بناء صرح المجتمع، كان لي شرف الإشارة بمقالٍ سابق لي عن دور رجل البوليس في فيلم الخلية؛ والدور البطولي الذي قام به الفنان أحمد عز جسد فيه دور رجل البوليس الذي ينتقم لاستشهاد صديقه؛ ويخوض كل المعارك من أجل هذا الهدف الأسمى في الحياة ولعل من مفارقات القدر أن النقيب عمرو صلاح الذي استشهد خلال الاشتباكات المسلحة في جبال الواحات بالجيزة هو من خريجي دفعة 2012 بكلية الشرطة، والتحق بقطاع العمليات الخاصة؛ وكان من الضباط الأكفاء في هذا القطاع، أنه كان ضمن الضباط المشاركين في فيلم "الخلية"، حيث أكدت مصادر أن الشهيد عمرو صلاح، ظهر في أكثر من مشهد خلال أحداث الفيلم، حيث كان يقوم بالتدريب بجوار أحمد عز وجمع بينهما أكثر من مشهد.

أتمنى أن أكون قد أحسنت إلقاء الضوء على دور رجل البوليس في الواقع المصري من خلال استعراض أمثلة سريعة من تضحيات هؤلاء الرجال العظماء، الذين يسهرون على حماية جبهتنا الداخلية؛ وحدود مصر مع رجال القوات المسلحة يدًا بيد، ولا ننسى فيلم الممر ومسلسل "الاختيار وما جسداه من عظيم دور قواتنا المسلحة ورجالاتها البواسل فهم ـ بحق ـ وجهان لعملة الحماية لمصرنا المحروسة في كل العصور.

تحية إجلال وتقدير لهؤلاء الرجال ولعزيمتهم التي لاتُقهر ولسيفهم البتَّار الذي لا ينكسرمهما تكأكأت علينا قوى الشر والبغي والعدوان. وتحيا مصرنا المحروسة برجالاتها الأقوياء وقيادتها الوطنية.وكل عام ومصرنا المحروسة في أعياد وانتصارات وقهر لكل التحديات.. آمين.