رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أردوغان يهنئ نفسه.. غالبًا!


روايتان مختلفتان، لسبب، مبرر، أو مناسبة، اتصال تليفونى أجراه الرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبومازن»، مع نظيره التركى، رجب طيب أردوغان، إذ زعمت وكالة أنباء «الأناضول» أن الأول أجراها لتهنئة الثانى بتحويل كنيسة «آيا صوفيا» إلى مسجد، فى حين قالت وكالة الأنباء الفلسطينية إن السبب كان توجيه الشكر للرئيس التركى على مواقف بلاده الداعمة للشعب الفلسطينى، ثم تبادل الطرفان التهانى بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك.
تحت عنوان «عباس يهنئ أردوغان بإعادة فتح مسجد آيا صوفيا»، نقلت وكالة «الأناضول» عن بيان أصدرته «دائرة الاتصال بالرئاسة التركية»، أمس الأول الأحد، أن الرئيس الفلسطينى هنأ أردوغان والشعب التركى بـ«إعادة فتح آيا صوفيا للعبادة، آملًا أن يجلب هذا التطور التاريخى الخير للعالم الإسلامى». وتصادف أن تنشر الوكالة التركية الرسمية، فى اليوم نفسه، خبرًا يقول إن إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة «حماس»، هنأ الرئيس التركى، أيضًا، بإعادة فتح مسجد «آيا صوفيا»، «وفق تصريح مكتوب صادر عن هنية، وصلت الأناضول نسخة منه».
عادى وطبيعى أن يقوم هنية «الإخوانى» بتهنئة سيده، وربما عوقب من أسياد آخرين، لأنه تأخر عن تنفيذ التكليف أو القيام بالواجب، أما غير العادى، غير الطبيعى، وغير المنطقى، هو أن يرتكب الرئيس الفلسطينى الحماقة نفسها، لأنه سيكون مجبرًا على إغلاق فمه لو فعل الإسرائيليون الشىء نفسه بـ«المسجد الأقصى»، الذى زعم ياسين أقطاى، مستشار الرئيس التركى، فى مقال نشره على «الجزيرة نت»، أن قيمته تضاهى «قيمة آيا صوفيا»!.
مقال غلام أردوغان، أو مستشاره، امتلأ بالكذب والتدليس وبقياسات غير منطقية، حاول بها الترويج لبضاعة فاسدة لا يمكن أن يشتريها إلا جاهل أو عبيط، غير أن هذا ليس موضوعنا، فما يعنينا، الآن، هو أن مناسبة الاتصال، بين الرئيسين الفلسطينى والتركى، كما أشرنا، جاءت مختلفة فى الخبر الذى نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية، والذى رأينا ضرورة أن ننقله بنصه، حتى لا يتهمنا أحدهم بأننا تجاهلنا سطورًا أو عجزنا عن قراءة ما بين أخرى:
جرى اتصال هاتفى بين رئيس دولة فلسطين محمود عباس، والرئيس التركى رجب طيب أردوغان. وقدم الرئيس عباس الشكر للرئيس أردوغان على مواقف بلاده الداعمة لشعبنا وقضيته العادلة، مشيدًا بالموقف التركى الرافض لمخططات الضم الإسرائيلية باعتبارها مخالفة لقرارات الشرعية الدولية، وضرورة مواصلة تركيا جهودها مع الأطراف الدولية المعنية لوقف عملية الضم والانتهاكات الإسرائيلية لشعبنا ومقدساته.
وأطلع الرئيس، نظيره التركى، على آخر مستجدات الأوضاع فى الأراضى الفلسطينية، والاتصالات التى تقوم بها القيادة الفلسطينية مع الأطراف الدولية كافة لإحباط مخططات الضم الإسرائيلية، التى فى حال تنفيذها ستقضى على فرص تحقيق السلام وستدخل المنطقة فى فوضى وعنف وسيكون على إسرائيل تحمل مسئولياتها كاملة كقوة احتلال.
ووضع سيادته، الرئيس أردوغان، فى صورة الاتصالات الجارية بين حركتى فتح وحماس لتوحيد الموقف الفلسطينى فى مواجهة مخططات الضم الإسرائيلية، مؤكدًا حرص سيادته الكامل على الوصول لتحقيق المصالحة الوطنية وتحمل أعباء المرحلة الدقيقة والصعبة التى تمر بها القضية الفلسطينية. واستعرض الرئيس، الجهود التى تقوم بها فلسطين لمواجهة الموجة الثانية من جائحة فايروس كورونا، والخطط الموضوعة للحد منه، مثمنا الدعم التركى فى هذا المجال.
بدوره، أكد الرئيس التركى، مواقف بلاده الداعمة للشعب الفلسطينى وحقه فى الحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطنى. وشدد الرئيس أردوغان، على أهمية مواصلة الجهود الدولية الرامية لمنع الضم الإسرائيلى المخالف للشرعية الدولية، مؤكدًا أن تركيا تواصل جهودها فى هذا المجال. وأكد أهمية التواصل الإيجابى، الذى يجرى بين حركتى فتح وحماس وصولًا لتحقيق المصالحة الكاملة وتوحيد المواقف لمواجهة الاحتلال. وتبادل الرئيس ونظيره التركى، التهانى بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، معربين عن أملهما بأن يعود على الأمة الإسلامية والعالم باليمن والبركات.
انتهى نص الخبر الذى نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية، الساعة الثانية و٣٥ دقيقة ظهر الأحد. ولن تجد خبرًا غيره، يشير من قريب أو بعيد إلى حديث الرئيس الفلسطينى عن «آيا صوفيا»، التى لن تجد لذكرها أثرًا، على الإطلاق، لو بحثت فى موقع الوكالة، المعروفة اختصارًا بـ«وفا»، والتى تأسست فى أبريل ١٩٧٢، تطبيقًا لقرار أصدره المجلس الوطنى الفلسطينى، فى دورته الاستثنائية، التى انعقدت فى القاهرة، لتتولى التعبئة الإعلامية ومواجهة الدعاية المعادية ونقل الأحداث الوطنية بعيدًا عن أى وصاية أو تبعية.
نحن، إذن، أمام أحد احتمالين: أن يكون أردوغان هو الذى هنّأ نفسه، بتحويل كنيسة «آيا صوفيا» إلى مسجد، ونسب إلى الرئيس الفلسطينى ما لم يقله. أو أن ما قيل، حال قوله، رأته الرئاسة الفلسطينية مخجلًا، لا يصح إعلانه. وفى الحالتين، نرى ضرورة أن تصدر الأخيرة توضيحًا، تفسيرًا، أو اعتذارًا، لا قدر الله!.