رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قطاع التشييد والبناء بعد كورونا.. نموذج تحدي الخسائر

قطاع التشييد والبناء
قطاع التشييد والبناء

ازدادت الآثار السلبية الناجمة عن فيروس كورونا لتلقي بظلالها على جميع المجالات الاقتصادي منها والصناعي وغيرها الكثير، ليأتي مجال البناء والتشييد أحد أهم تلك المجالات التي تأثرت بهذه الجائحة، وأصبح تقديم خدمات البناء والإنشاءات خلال هذه الأوقات مهمة ليست بالهينة.

"الدستور" ترصد تداعيات فيروس كورونا على مجال التشييد وأثره على عماله.

فعلى مستوى الدول العربية أشار تقرير لقطاع الشئون الاقتصادية بجامعة الدول العربية إلى أن كورونا وجهت ضربات مباشرة للاقتصاد العربي، بخسائر فادحة بلغت 1.2 تريليون دولار، يتراوح نصيب التشييد فيها بين 4 و6 %، أي ما قد يزيد على 70 مليار دولار، وتوقعات بفقدان 7.1 مليون عامل وظائفهم.

وبمصر كشف الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء، أنه تم صرف مبلغ 50 مليار جنيه خلال العام المالي 2019-2020، وعلى الرغم من ذلك لم يف هذا بمستحقات المقاولين بسبب تداعيات جائحة كورونا لذا طالب الاتحاد الحكومة بصرف المزيد من المستحقات لشركات المقاولات خلال المرحلة المقبلة.

تواصلت "الدستور" مع عدد من عمال البناء الذين تأثروا سلبيًا بتداعيات فيروس "كورونا"، فكان بينهم الحاج محمد أحمد 55 عامًا الذي يعمل بمجال المعمار بحي دار السلام بالقاهرة، يقول: "فقدت عملي بعد فيروس "كورونا" وعشت على مساعدات أهلي"، موضحًا أنه نتيجة انتشار الفيروس عزف الكثيرون على أعمال التشييد، وبالتالي لم يجد كثيرون من عمال البناء أي بديل آخر فهو لا يتقن سوى هذه المهنة فقط وهو ما كان له بالغ الضرر على أسرة هؤلاء العمال الذين راح مصدر رزقهم ضحية فيروس"كورونا"، إلا أن الحاج محمد عبر عن فرحته الشديدة بقرار عودة الحياة الطبيعية للعمل مرة أخرى مع الأخذ في الاعتبار الإجراءات الاحترازية ضد الفيروس، قائلًا: "خلينا نشوف أكل عيشنا تاني".

كذلك أكد سيد عوض، واحد من عمال المحارة بمنطقة المعادي، أن العمل في مجال البناء والتشييد هو بالأصل عمل موسمي قائلًا: "شغلنا مش مضمون يوم فيه ويوم لا"، إلا أن بعد انتشار فيروس "كورونا" ازداد الأمر سوءًا على جميع العاملين بهذا لقطاع حسبما أوضح مؤكدًا أنه نتيجة توقف العمل تقريبًا تشابهت الخسارة لجميع العاملين بهذا المجال، ولكن أكثر من تضرر هو العامل البسيط الذي ليس لديه فائضًا من المال يجعله يستطيع الإنفاق على أسرته طوال وقت هذه الجائحة، وتوقف العمل نتيجة لها.

أما خبراء الاقتصاد فاتفقوا أيضًا على التأثيرات السلبية التي تسبب بها فيروس كورونا على قطاع التشييد والبناء، موضحين أن تلك التأثيرات قد تمتد لسنوات بسبب ما نجم عن فترات إغلاق مصانع مَواد البناء وحظر التنقل في ساعات معينة وتخفيض العمالة في مواقع العمل، كما أشاروا إلى أن القطاع يحتاج إلى المزيد من الحوافز لضمان التعافى بشكل كامل من آثار فيروس كورونا في ظل الأعباء الواقعة على الشركات العاملة في هذا المجال.

الدكتور على الإدريسى، أستاذ الاقتصاد بمدينة الثقافة والعلوم، أوضح أن أجل الأسباب التي كان لها تأثير على قطاع البناء والتشييد بفترة حظر "كورونا"، هو تقليص فترات العمل بجنب تقليص ساعات الانتقال، ما أدى إلى تقليل عدد العمالة في المشروعات، مشيرًا إلى أن تلك التداعيات كانت لها تأثير غير مباشر على قطاعات أخرى متعلقة بمجال البناء والتشييد "أكثر من 70 وظيفة أخرى مرتبطة بقطاع التشييد والبناء".

وهنا أكد الإدريسي أن القرار بفتح الاقتصاد مع تطبيق الإجراءات الاحترازية هو القرار الصائب فقطاع البناء والتشييد واحدًا من القطاعات كثيفة العمالة الهامة، لتعوض القطاعات الاقتصادية المختلفة جزءا من خسائرها عن الفترة الماضية، مؤكدا أن عودة الحياة الطبيعية تضمن استمرارية العمل داخل القطاع بمعدلاته السابقة، وهو ما يضمن كذلك استمرارية العمل داخل المشروعات القومية المختلفة، وطالب الإدريسي بمزيد من الحوافز المقمة من الحكومة لهذا القطاع لضمان دوران عجلة الإنتاج بشكل سريع.

يذكر أنه وعلى الرغم من التداعيات السلبية التي تركها فيروس "كورونا" على قطاع التشييد والبناء إلا أنه ما زال هذا القطاع يشهد تطورا ونموا ملحوظا في مصر، فقد استعرض رئيس مركز المعلومات الدكتور أسامة الجوهري ملخصًا لتقرير حول التوقعات المستقبلية لقطاع التشييد والبناء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد تداعيات انتشار فيروس "كورونا" حتى عام 2029، والتي جاءت في تقرير صدر عن مؤسسة "فيتش" فتضمن التقرير توقعات بأن يواصل قطاع التشييد والبناء في مصر نموه القوى على مدار السنوات العشر المقبلة، ليكون متوسط النمو السنوي بمعدل 9% ما بين عامي 2020 و2024، بعد تأثره على المدى القريب بجائحة " كورونا"، كما أنه من المتوقع أن يفوق قطاع التشييد والبناء بمصر باقي الأسواق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على المدى الطويل.

الجدير بالإشارة أن مصر تحتل بالمرحلة الحالية الترتيب الرابع كأكبر قطاع في التشييد والبناء في المنطقة، فقد أشار أسامة الجوهري إلى أن تقريرا صادر عن مؤسسة "فيتش" للتصنيف الائتماني لمصر يتوقع أن تمتلك مصر بحلول 2029 أكبر قطاع للتشييد والبناء فى المنطقة بأكملها، لافتًا إلى أن مصر سجلت مرتبة متقاربة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، من حيث أقوى سوق في المنطقة.

وأضاف "الجوهري" أنه من المتوقع وفقًا لتقرير "فيتش" أن يحافظ قطاع التشييد والبناء فى مصر على هذا المستوى من النمو وهو 9%، مع توقعات للتوسع بنسبة 7.5% خلال 2020، وإن كان ذلك أقل من توقعات "فيتش" السابقة للنمو بنسبة 9،7% قبل جائحة "كورونا"، لتنتقل مصر خلال فترة التوقعات من المرتبة الرابعة كأكبر قطاع تشييد من حيث قيمة الصناعة إلى المرتبة الأولى في المنطقة ككل بحلول عام 2029.